اخر الاخبار

د. فاضل حسن شريف
مجلس عزاء حسيني مساء الاول من محرم الجمعة في مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورونتو الكندية:
بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم من قبل بعض الحضور لمدة ساعة بأشراف السيد عبد السلام الموسوي، فقراءة آيات من القرآن الكريم فمجلس العزاء للخطيب الشيخ حسن العامري، فترديد قصائد حسينية والزيارة، فصلاة المغرب، ومأدبة العشاء تبرعا من مؤسس المسجد الحاج عطا علي وجلسة شاي.
بسم الله الرحمن الرحيم “”ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ” (الحج 30) بعد النعي الحسيني في بداية ونهاية الخطبة ابتدأ الخطيب الشيخ العامري خطبته الارتجالية بهذه الآية المباركة والتي كان موضوعها (مفهوم المقدسات) وقال هنالك مجموعة من القوانين الوضعية التي تجرم الانسان لانتهاكه الرموز الوطنية، مثلا الاعتداء على علم دولة يغرم مبلغ كبير أو سجن ستة أشهر في دولة ويصل ثلاث سنوات في دولة أخرى في حين العلم قطعة قماش لا يتعدى سعره دولارات معدودة لأن العلم يمثل قدسية شعب دولة واهانته تعني اهانة ذلك الشعب ودولته. في حين هذه الدول علمانية كل شيء عندهم خاضع للطعن والتشكيك ولا قدسية لهم للرموز الدينية في حين أن لها قدسية عند الشعوب. و يقدسون مثلا علم المثلية ولكن كتب الديانات المقدسة تحرق تعتبر حرية الرأي.
وتضع الدول كذلك قدسية لأوطانها لان السكوت على دخول عدو واحتلاله متر واحد من حدودها سيجعله يتجرأ أن يحتل مائة متر عمقا وهكذا حتى ألف متر. ومع الأسف المسلمين ودولهم يعتبرون يوم عاشوراء عيد ويصومونه و ينسون قدسية الإمام الحسين عليه السلام سبط رسولهم الذي استشهد في يوم عاشوراء بينما توجد لهم ازدواجية في أمور مقدسة أخرى. قال الإمام زين العابدين عليه السلام (أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، أنا ابن المذبوح بشط الفرات، من غير ذحل ولا ترات، أنا ابن من انتهك حريمه، وسلب نعيمه، وانتهب ماله، وسبي عياله، أنا ابن من قتل صبراً، وكفى بذلك فخراً).
ما هو أصل القداسة في الإسلام ومسؤولية الفرد المسلم؟ الجواب أن القداسة هي أحد أسماء الله “يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ” (الجمعة 1) القدوس هو أصل القداسة ومقدس بذاته ويعطيه لمن ينتسب له. ناقة صالح اصبحت مقدسة لانها انتسبت لله سبحانه وبقداستها نزل غضب الله على من عقرها “فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا” (الشمس 14) لان الناقة نسبت الى الله تعالى. وهكذا كون البيت الحرام ينتسب الى الله تعالى فاصبحت له قدسية ولو أنه حجر وهكذا القرآن كتاب ولكنه نسب الى الله عز وجل فأصبحت له قدسية، وهكذا النبي وأهل بيته لانه رسول الله أصبحت له قداسة.
شهر رمضان هو شهر الله فأصبحت له قداسة عن بقية الشهور. روي أنه أتى أمير المؤمنين عليه السلام بالنجاشي الشاعر قد شرب الخمر في شهر رمضان فضربه ثمانين ثم حبسه ليلة، ثم دعى به من الغد فضربه عشرين سوطا فقال له: يا أمير المؤمنين: فقد ضربتني في شرب الخمر وهذه العشرين ما هي؟ فقال: هذا لتجريك على شرب الخمر في شهر رمضان. ويسعى الحاج والمعتمر بين الصفا والمروة لأن الله تعالى أعطى قدسية لهاجر وأبنها إسماعيل عليه السلام ولا تقبل المناسك إلا بالسعي بينهما.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن لله حرمات ثلاث، من حفظهن حفظ الله له أمر دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئا: حرمة الاسلام، و حرمتي، وحرمة عترتي). قال الله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ” (الحجرات 1) فالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم له قدسية وحرمة تختلف عن بقية الأشخاص، فالحرمة تسري في حياته وبعد موته لذلك لا يجوز الصلاة وظهرك لمراقد النبي وأهل بيته عليهم السلام لما لها من حرمة. وهكذا رفع الصوت في مقامهم عليهم السلام “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ” (الحجرات 2).
من المنطقي احترامك لشخص يعني احترام اسرته. لذلك تقديسك واحترامك للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يعني تقديسك و احترامك لاهل بيته لان الله تعالى نسبهم اليه. فلم تحترم الامة وتقدس النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند وفاته ولا قدست أهله فبعد وفاته حصل من ظلم للزهراء عليها السلام ما حصل كما جاء في الحديث (إن الله يغضب لغضب فاطمة و يرضىٰ لرضاها) ثم ظلم زوجها الامام علي عليه السلام وابنيه الحسن والحسين عليهما السلام.
قال الإمام الصادق عليه السلام (كنا أنوارا حول عرش الله نسبح الله ونقدسه حتى خلق الله الملائكة فقال لهم: سبحوا، فقالوا: يا ربنا لا علم لنا. فقال لنا: سبحوا، فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا، إلا أن خلقنا من نور الله). فهذه قدسيتهم فهم النور فأسمائهم مكنونة قبل خلق الكائنات. وفي الزيارة الجامعة (خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين حتى من علينا بكم، فجعلكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه). فعدم تقديس أهل البيت أو التهاون بتقديسهم يعني انتهاك حرمات الله. أن المقدسات خط أحمر فالتهاون بها يؤدي إلى ما هو أكبر. لذلك شرع الله تعالى الدفاع عن المقدسات.
يقول الإمام الحسين عليه السلام عن انتهاك مقدسات وحرمات الله ( ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقا حقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما). روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى الكعبة فقال: مرحبا بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله، والله للمؤمن أعظم حرمة منك، لان الله حرم منك واحدة، ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يظن به ظن السوء.
ومن الحرمات حرمة الاسلام والذي يتمثل بكتابه القرآن وهو أحد الشفعاء “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا” (الفرقان 30)، “لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ” (الحشر 21)، “وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ” (الرعد 31).. نلاحظ الآن الشخص يتواصل يوميا مع الآخرين في مواقع التواصل الاجتماعي وهو شيء حسن ولكن لا يصرف دقائق معدودة في قراءة 40 آية من القرآن الكريم. فالقرآن عهد بين الله وعباده.
الإمام الحسين عليه السلام قدم حياته قداسة للاسلام وحرمته وهو القائل (مثلي لا يبايع مثله).