اخر الاخبار

المجلس الحسيني لليوم الثاني من محرم بمدينة تورونتو الكندية (الشعائر الحسينية وعلاقتها بالتقوى والروح)‎

د. فاضل حسن شريف

مجلس عزاء حسيني مساء الثاني من محرم السبت في مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورونتو الكندية:

بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم من قبل بعض الحضور لمدة ساعة بإشراف السيد عبد السلام الموسوي، فقراءة آيات من القرآن الكريم فكلمة قصيرة للدكتور فاضل حسن شريف عن يزيد وعلاقته بالعدل والظلم والطغيان والنفاق، فمجلس العزاء للخطيب الشيخ حسن العامري، فترديد قصائد حسينية للسيد مصطفى الحسناوي والزيارة، فصلاة المغرب، ومأدبة العشاء تبرعا من مؤسس المسجد الحاج عطا علي وجلسة شاي.

بسم الله الرحمن الرحيم “ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ” (الحج 32) بعد النعي الحسيني في بداية ونهاية الخطبة ابتدأ الخطيب الشيخ العامري خطبته الارتجالية بهذه الآية المباركة والتي كان موضوعها (الشعائر الحسينية وعلاقتها بالتقوى والروح) لماذا قالت الآية المباركة أن تعظيم الشعائر من تقوى القلوب وما معنى تقوى القلوب؟ أولا كلمة من ابتدائية أي أن التقوى تبدأ من القلب ثم تطغى على جوارح الإنسان. أي أن الدين لا يأتي عشوائي وانما يأتي بشكل مرتب. فالدين ليس عمامة ولحية كما يتصور وانما الدين ينبع من القلب ثم الى الجوارح مثل عين الماء يبدأ أو ينبع من باطن الأرض ثم يظهر الماء على سطح الأرض.

إن الإنسان الذي يتقمص الدين وليس صادر من القلب مثلا يصلي ويصوم ويقرأ القرآن ولكنه يسرق ويغتاب أو يعطي الصدقات ولكنه يتعامل بالربا. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان. لذلك الدافع الأول للايمان يبدأ من القلب فمثلا يصلي حيث تشتغل جوارحه ولكن قلبه بعيد عن الصلاة فهذه صلاة دنيوية لا تثبت على مبدأ وعقيدة. يقول الامام الحسين عليه السلام (إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).

قال الله تعالى “فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ” (التوبة 109) اساس البيان تقوى القلب وكل شيئ يصدر من القلب فلا خوف عليه من الانهيار ومنها اقامة الشعائر كالشعائر الحسينية “فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ” (الحج 32) والتي منها يتبين المعنى الثاني من الآية المباركة أن الذي يقيم الشعائر صاحب القلب التقي. ومن الشعائر تؤخذ العبر كما قال الامام الحسين عليه السلام (أنا قتيل العبرة).

ان الذي يقيم الشعائر هو الذي لديه التقوى فكيف بشخص قريب من مسجد ولم يحضر شعائر مثل الشعائر الحسينية ما هو ميزان تقواه؟ في حين نلاحظ ان آخر حتى ولم يكن في منطقته من يقيم الشعيرة الحسينية فانه يقيمها في بيته ويجمع عائلته ان لم يوجد أحد يشاركه العزاء الحسيني.

سؤال يصدر هل أن الشعائر تحي قلب الانسان؟ الجواب أولا الإنسان عبارة عن مملكة فيها صراع دائم بين النفس والعقل وبين النفس والقلب. ان أعقد مسألة معرفة النفس والقلب. جاء في الحديث: من عرف نفسه عرف ربه. وصلت التكنولوجيا الى مراتب متطورة في الوقت الحالي ولكنها لا زالت لم تصل الى معرفة النفس والعقل والقلب وكما جاء في الحديث: كلت الألسن عن غاية صفته، والعقول عن كنه معرفته وتواضعت الجبابرة لهيبته، وعنت الوجوه لخشيته، وانقاد كل عظيم لعظمته.

قال الله تعالى عن الروح والنفس والعقل والقلب في آيات عديدة منها: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” (الاسراء 85)، “وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8” (الشمس 7-8)، “لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ” (البقرة 164)، “إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” (الشعراء 89). فالقلب له مملكة والنفس مملكة وكما قال الشاعر: وتحسب أنك جـِرمٌ صغير * وفيك انطوى العالم الأكبر.

مصطلحات النفس والروح والحياة فيها تداخلات علينا فهمها. هل كل مخلوق له روح؟ الانسان من الكائنات التي فيها روح “وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِ” (الحجر 29). الفرق بين الشجرة الطبيعية والاصطناعية أن الاولى فيها حياة تنمو وتثمر وتموت، بينما الشجرة الثانية لا حياة فيها. وهكذا الحيوان فيه حياة ينمو ويموت وكذلك فيه نفس لكونه يحمل غرائز وشهوات. النفس تموت “كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ” (آل عمران 185) بينما الروح لا تموت. الروح غير مادية تأتي من عالم الذر الى عالم المادة. عندما يخلق الله تعالى الجسد يسكن فيه الروح. فالروح تلبس ثوبا اسمه الجسد وتبقى حتى الروح عن الجسد عند الموت وترجع الى الجسد يوم القيامة. فالنفس هي التي تقع عليها الموت.

الحياة تختلف عن الروح والجسد ولكن متعلقة بالروح والجسد. فالجنين في بطن أمه ينزل فيه الروح في شهره الرابع لذلك إسقاط الجنين قبل وبعد الشهر الرابع فيه مسألة. لذلك الجنين قبل الشهر الرابع فيه حياة وليس فيه روح. الروح حياة للجسد.السؤال هل الروح تحتاج الى حياة؟ نعم “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ” (الأنفال 24) فالروح تحيى بالعلم والمعرفة وطاعة الله ورسوله وقراءة القرآن “وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا” (الشورى 52) واقامة الشعائر.

للروح أيضا حياة والحياة تتطلب غذاء ومن أغذيتها الشعائر. وبالتالي الشعائر هي حياة لقلب الانسان. في أيام محرم واقعا يجب أن نتلون بلون الحسين عليه السلام. اذا كانت لديك ذنوب فادعو الله تعالى عند الحسين عليه السلام في شعائره لغفران الذنوب فهو الواسطة والشفيع عند الله تعالى.