اخر الاخبار

المجلس الحسيني لليوم الخامس من محرم بمدينة تورونتو الكندية (مفهوم الخسارة)‎

د. فاضل حسن شريف

مجلس عزاء حسيني مساء الخامس من محرم الثلاثاء في مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورونتو الكندية:

بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم من قبل بعض الحضور لمدة ساعة بأشراف السيد عبد السلام الموسوي، فقراءة آيات من القرآن الكريم، ثم مجلس العزاء للخطيب الشيخ حسن العامري، فترديد قصائد حسينية للسيد مصطفى الحسناوي والزيارة، فصلاة المغرب، ومأدبة العشاء تبرعا من مؤسسة العين وجلسة شاي.

بسم الله الرحمن الرحيم “قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ” (الزمر 15) بعد النعي الحسيني في بداية ونهاية الخطبة ابتدأ الخطيب الشيخ العامري خطبته الارتجالية بهذه الآية المباركة والتي كان موضوعها (مفهوم الخسارة في القرآن الكريم). يختلف مفهوم الربح والخسارة عند الناس. طبيعة الإنسان يشجع الفريق الناجح وليس الفاشل. الوقوف مع الناجحين يشعر الإنسان أنه هو نفسه ناجح ولو كان بذاته فاشلا. ان الربح والخسارة بالمفهوم المادي غير صحيح. يتصورون أن الانسان الكثير الاموال هو الناجح والإنسان الفقير شخص فاشل. ربما حصل الغني على الأموال عن طريق الرشوة أو السرقة.

جاء في الحديث: بينما كان أحد الرجال الأغنياء جالسًا في محضر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إذ دخل رجل فقير يلبس لباسًا رثًا، وأراد أن يجلس فلم يجد مكانًا خاليًا إلا بجانب ذلك الرجل الغني، فذهب وجلس بجانبه، وحسب عادته حاول الغني أن يبتعد عنه قليلًا، ويلملم ثيابه، فانتبه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لذلك، وقال للغني: هل خشيت أن يأتيك شيء من فقره؟ قال: لا يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل خشيت أن ينتقل شيء من ثروتك إليه؟ قال: لا يا رسول الله. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: هل خشيت أن تتسخ ثيابك؟ قال: لا يا رسول الله. قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: إذن لماذا فعلت ذلك؟ لم يكن للغني جواب سوى أنه قال: إنها عادة خاطئة يا رسول الله وأنا مستعد أن أعطي أخي المسلم نصف ثروتي تكفيرًا عن فعلتي. فقال الرجل الفقير: أنا لا أقبل. قيل له: لماذا؟ قال الفقير: أخاف إذا قبلت أن أصبح مثله يومًا ما، فيأتي رجل فقير فأتنحى عنه جانبًا.

النجاح هو الأخلاق والدين وليس المال. البيت الضخم والسيارة الفاخرة وقوة الرياضة هي مفاهيم النجاح عند عامة الناس. في القرآن الكريم توجد نحو 60 آية تتحدث عن الخسارة المعنوية ليس منها ما تتحدث عن الخسارة المادية مثل اتباع الشيطان “وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا” (النساء 119)، والذين يتبعون الظلمة “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ” (آل عمران 149). ومن الخسارة كفر ولاية أمير المؤمنين عليه السلام “وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (المائدة 5).

قارون مثلا من أغنى الأغنياء له كنوز كثيرة لا تستطيع عصبة من حملها والعصبة تزيد عن عشرة اشخاص “إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ” (القصص 76) فهل قارون شخص ناجح؟ “فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” (القصص 79). كان قارون شخص فاشل في نظر القرآن “فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ” (القصص 81).
هنالك يفرحون في محرم ويعتبرونه نجاح يقربهم الى الله “الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” (الكهف 104). هؤلاء اصحاب الشيطان “وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ” (البقرة 14) . النجاح يعني الإيمان والتقوى والأخلاق والقيم. الامام حسين عليه السلام خسر المعركة ماديا ولكنه انتصر وربح معنويا بمفهوم القرآن الكريم.. كان أمير المؤمنين عليه السلام يمشي بين الأصحاب كالقمر بين النجوم. ولكن عندما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم تخلوا عنه فهؤلاء هم الخاسرون الا القلة القليلة. وهكذا الحسن والحسين عليهما السلام ناجحين ان قاما أو قعدا أي حاكمين أو محكومين. القرآن الكريم يعتبر الربح معنوي بينما المنافقون يعتبرون الربح ماديا “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ” (العنكبوت 10).

اليوم القوي ماديا ومعنويا معه الناس “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ” (الحج 11). يجب أن لا تغير الخسارة والربح المادي من توجهاتنا. الربح إذا كان مع الحق في معركة ان كان نصرا أو شهادة. قال الامام الحسين عليه السلام (إن تك حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير). يعتقد البعض أن أصحاب الحسين عليه السلام هم الخاسرين عسكريا ولم يعلم هؤلاء ان اصحابه يعلمون انهم يخسرون المعركة ولكن يربحون الآخرة (كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء). في حالة مؤمن آل ياسين “بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ” (يس 27).

قال تعالى “فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ” (آل عمران 185) النجاح هو الفوز بالجنة حتى في حالة الزحزحة أو الدفع عن النار. بينما الخاسر الحقيقي هو الذي يخسر يوم القيامة “الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا” (الكهف 104)، “قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ” (الزمر 15). في حالة مؤمن آل فرعون “وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ” (غافر 28)، “فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا” (الانسان 11).

عمار بن ياسر أحد الرموز لكل من يقتل ليربح الآخرة. علينا أن لا نخسر الله تعالى حتى ولو خسرنا الدنيا المادية. المنافقون نموذج الذين يخسرون الآخرة بحبهم الدنيا “إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا” (الأحزاب 10). ومن النماذج المشرفة التي تطلب الآخرة كان خباب بن الأرت من أوائل الذين آمنوا بهذا الدين الجديد حين بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الامام الحسين عليه السلام (فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا). وقال عليه السلام لاصحابه (هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا) فكان جواب أصحابه لن نتخلى عنك ولو قتلنا مرات عديدة. كانوا يتسابقون الى المنية منهم الغلام والشيخ الكبير.