اخر الاخبار

المجلس الحسيني لليوم السادس من محرم بمدينة تورونتو الكندية (العباس العبد الصالح)‎

د. فاضل حسن شريف

مجلس عزاء حسيني مساء السادس من محرم الأربعاء في مسجد الإمام الحسين عليه السلام بمدينة تورونتو الكندية:

بعد تلاوة آيات من الذكر الحكيم من قبل بعض الحضور لمدة ساعة بأشراف السيد عبد السلام الموسوي، فقراءة آيات من القرآن الكريم، ثم مجلس العزاء للخطيب الشيخ حسن العامري، فترديد قصائد حسينية للسيد مصطفى الحسناوي والزيارة، فصلاة المغرب، ومأدبة العشاء تبرعا من مؤسس المسجد الحاج عطا علي وجلسة شاي.

بعد النعي الحسيني في بداية ونهاية الخطبة ابتدأ الخطيب الشيخ العامري خطبته الارتجالية والتي كان موضوعها (العباس عليه السلام العبد الصالح). قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام في زيارته للعباس بن علي عليه السلام (السَّلامُ عَلَيكَ أيَّها العَبـدُ الصالِحِ المُطيعُ لله ولرسُولِهِ ولأَميرِ المؤمِنين والحَسَن والحُسـينِ صَلّـى اللهُ عَلَيهم وسَلَّم) ما هي مقامات أبي الفضل العباس عليه السلام في مفهوم الأئمة المعصومين عليهم السلام؟ الأئمة عليهم السلام اذا أرادوا أن يتحدثوا عن شيء لا يبالغون ولا يجاملون به وإنما يذكرون الحقائق. نحن عندما يموت أحد الاشخاص نقول لا نعلم منه الا خيرا لاننا نتعامل على الظاهر.

الامام المعصوم يعلم الظاهر والباطن “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” (التوبة 105) المؤمنون في الآية هم أئمة أهل البيت عليهم السلام. قال الله تعالى “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” (البقرة 143) الأمة الوسط هم أئمة أهل البيت عليهم السلام وهم الشهداء على الناس يوم القيامة لانهم يعرفون ظواهر أمور الناس وبواطنها.

مقامات العباس بن علي عليه السلام حقيقية ظاهرها وباطنها يبينها الإمام الصادق عليه السلام (السَّلامُ عَلَيكَ أيَّها العَبـدُ الصالِحِ). المقامان العبد والصالح، العبد من العبودية والتسليم المطلق لله مائة بالمائة ولا يعطى لكل أحد. مقام العبودية في القرآن الكريم لا يعطى الا لبعض الخواص وفي مقدمتهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا” (الاسراء 1) عندما لا يخصص لعبد فانه يقصد به محمد صلى الله عليه وآله وسلم “فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ” (النجم 10)، “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا” (الكهف 1), وهنالك تخصيص بالاسم مثل زكريا عليه السلام “ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا” (مريم 2)، داود عليه السلام “وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ” (ص 17) ذا الأيدي أي صاحب كرم، ابراهيم واسحاق ويعقوب عليه السلام “وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ” (ص 45).

تخصيص العبد في القرآن يعني العصمة التي لا تنقطع للحظة واحدة. بينما الناس الآخرون يذنبون “وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ” (النحل 61) والذنب يعني العبودية لغير الله. العبودية مقام كما لا يعطى إلا للأنبياء والأولياء. العبد الصالح هي صفة مرة تكون للعمل ومرة للذات. فعمل الصالحات يختلف من انسان لآخر “وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا” (النساء 124) يعني ان عمل الصالحات تصدر من مؤمن وغير مؤمن “وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا” (التوبة 102).

صفة الصالح بذاته فهو صالح دائما لا يخرج منه الا عملا صالحا “فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ” (آل عمران 37) لأن ذاتها صالحة. قال الله عز وجل “وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ” (البقرة 130)، “وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ” (الأنعام 85)، “فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ” (القلب 50). صفة الصالحين هي صفة اصطفاء.

قال الامام جعفر الصادق عليه السلام عن العباس عليه السلام (المُطيعُ لله ولرسُولِهِ ولأَميرِ المؤمِنين والحَسَن والحُسـينِ صَلّـى اللهُ عَلَيهم وسَلَّم) هنا مقام العباس يتبع الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام مع تسليم كامل ” وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا” (النساء 69). فالعباس عليه السلام من الذين انعم الله عليهم “صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ” (الفاتحة 7) أي ان العباس عليه السلام مشمول بهذه ألاية المباركة التي تقرأ يوميا في الصلوات.

من مقامات العباس عليه السلام التسليم أي مسلم أمره الى الله ورسوله وآل بيته عليهم السلام ومنهم تسليم أمره كاملا لاخيه الامام الحسين عليه السلام. بعض الأهل مثل أم سلمة ومحمد بن حنفية وغيرهم طلبوا من الامام الحسين عليه السلام بعدم المغادرة الى العراق بينما العباس عليه السلام سلم نفسه بأمرة أخيه الحسين عليه السلام بدون تردد.

من مقامات العباس عليه السلام الجهاد في سبيل الله كما جاء في الزيارة (مضيت على ما مضى به البدريون) لان واقعة بدر مفصلية لو حصلت الهزيمة لم يبق للإسلام باقية. وكذلك واقعة كربلاء كانت مفصلية في فضح الباطل والنفاق حيث إن الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء تمثل بهذه الأبيات: فـإن نَـهـزمْ فـهـــــزّامـونَ قُـدْمـاً * وإن نُـهـزَمْ فـغـيـــــــر مـهـزَّمـيـنـا ومـا إن طـبّـــــــنا جـبـنٌ ولـكـن * مـنـايــــــــــــــانـا ودولـة آخـريـنـا فـقـلْ لـلـشــامـتـيـنَ بـنـا أفـيـقـوا * سـيـلـقـى الـشـامـتـون كـمـا لـقـيـنـا. وقال عليه السلام (من لحق بي منكم استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح).

القتال في معركة بدر كان الجيش عدده في جانب الكفار نحو ألف وجانب المسلمين يزيد عن ثلاثمائة. ولكن في معركة كربلاء خرج العباس عليه السلام الى الساحة مجابها لوحده 30 ألف من جيش يزيد المجهز بالعداد والتنظيم مقارنة بجيش كفار بدر الذي كان قليل التجهيز والتنظيم، وكان جيش المسلمين يتوفر لديهم الطعام والماء بينما الحسين والعباس عليهما السلام واتباعهما عطاشا ولا طعام لهم. يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: (لقد كان قلب عمي العباس كصالية الجمر من العطش). ويقول الإمام الحسين عليه السلام (كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات).

لما استشهد العباس عليه السلام بكى الامام الحسين عليه السلام بكاءا شديدا حتى تبللت أردانه. ولما قتل العباس، قال الحسين عليه السلام: الان انكسر ظهري، وقلت حيلتي. العباس عليه السلام كان صاحب لواء الحسين عليه السلام.