اخر الاخبار

خذ الحكمة أنّى كانت / محمد جواد الدمستاني

خذ الحكمة أنّى كانت

«الحكمة ضالّة المؤمن فخذ الحكمة و لو من أهل النفاق»

محمد جواد الدمستاني

إنّ الحكمة هدف منشود ينبغي أن يبحث عنه المؤمن أينما وجده أخذه فهو ضالّته كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة «الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَخُذِ الْحِكْمَةَ وَ لَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ»[1].

و في الحكمة 79 و هي السابقة لها، قال عليه السلام: «خُذِ الْحِكْمَةَ أَنَّى كَانَتْ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ فِي صَدْرِ الْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِهِ حَتَّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَى صَوَاحِبِهَا فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ»[2].

الحكمة ضالّة المؤمن و هدف له يأخذها أينما يجدها، و الحكمة هي العلم بحقائق الأشياء، قال تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ»[3]، و «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرً»[4]، و عن النبي صلّى الله عليه و آله «ما أَخْلَصَ عبدٌ لِلَّهِ عز وجل أَرْبَعِينَ صَبَاحاً إلا جَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ»[5]، و قد يكون المراد من الحكمة العلم مطلقا.

و الضالّة تعني الشئ المفقود، يطلبه و ينشده  صاحبه ليجده، كذلك الحكمة يطلبها المؤمن كما ينشد الضالّة صاحبها، و هو أولى بها من غيره.

و الكلمة حث للمؤمن أن يحرص على أخذ الحكمة و الكلام المفيد و العلم النافع دون الوقوف على مصدره، و تعلّمها أينما وجدت، و لو من المنافقين، و فلا يستنكف من أخذها، و هي تضطرب و لا تستقر أو تثبت في صدر المنافق إلى أن تخرج إلى محلها و هو صدر المؤمن، فتسكن إلى صواحبها من الحكم فيه، كما أنّ الباحث عن ضالّته يأخذها أينما و جدها و عند من وجدها لا يمتنع من أخذها من المنافق أو المخادع فهي حقه.

و المؤمن كمثال لعموم النّاس و هو أحق بالاستفادة بالحكمة و العلوم لإيمانه بالله، و إلا فإنّ الخطاب موجّه إلى كل النّاس و ينبغي أن تكون الحكمة هدفا لهم يبحثون عنها، و أخذها من أيّا كان و لو من أهل النفاق و هم أسوأ الأمثلة و المراد أن تأخذها أينما وجدتها، و لا تنظر لصاحبها أو قائلها، و قد تجدها في خصم لك أو معادي، أو صغير سن أو طفل، أو سائق تاكسي أو فلاح، أو صاحب دكان، أو ممن لا تتوقعها عنده، و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله «لا تَنظُرْ إلى مَن قالَ، وَ انظُرْ إلى ما قالَ»[6].

و في تمام نهج البلاغة روي «وَمَنْ عَرَفَ الْحِكْمَةَ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الِازْدِيَادِ مِنْهَا، النّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا، الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، فَخُذِ الْحِكْمَةَ وَ لَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ،..، خُذِ الْحِكْمَةَ أَنّى كَانَتْ وَمِمَّنْ أَتَاكَ بِهَا، وَانْظُرْ إِلى مَا قَالَ وَ لَا تَنْظُرْ إِلى مَنْ قَالَ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ في صَدْرِ الْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ في صدْرِهِ حَتّى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلى صَوَاحِبِهَا في صَدْرِ الْمُؤْمِنِ»[7].

وفي الأمالي للشيخ الطوسي روي عنه عليه السلام «الحِكمَةُ ضالَّةُ المُؤمِنِ، فَاطلُبوها و لَو عِندَ المشرِكِ تَكونوا أحَقَّ بِها وأهلَها»[8].

و الرواية عن الإمام الباقر (ع) «اَلْحِكْمَةُ ضَالَّةُ اَلْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ مَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ضَالَّتَهُ فَلْيَأْخُذْهَا»[9].

و يمكن أن يراد من الحكمة مطلق العلوم بل قد يتسع المعنى إلى التجارب و الخبرات و الصناعات، و أخذها من عموم الناس و الاستفادة من خبراتهم، و الانتفاع من تجاربهم في مطلق العلوم و التجارب، و في الطب و التقدم التكنولوجي، و في التجارة و الأعمال الإدارية و غيرها، مع المحافظة على هوية المجتمع الإسلامي و حدوده و أحكامه الشرعية و استقلاله و كرامته مع السعي للاكتفاء الذاتي في نفس الوقت، و في الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه و آله «اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ»[10]، و هو حث و تأكيد على طلب العلم حتى في أبعد نقاط العالم دون النظر إلى قوميتهم و جغرافيتهم و دينهم، و في الرواية عن الإمام الحسن العسكري في بني فضّال: «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا»[11]، «خذوا ما رووا ودعوا ما رأوا»[12]، أخذ العلم منهم دون النظر إلى طريقتهم، و بشكل عام أخذ العلوم من الآخرين و إن اختلفوا معكم دون التأثر بعقيدتهم أو نفوذهم أو سيطرتهم، و في سورة الزمر قال تعالى: «فَبَشِّرْ عِبَادِ ‎الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»[13].

أما مع التأثير في العقيدة و الأخلاق و التربية بطريقتهم و اتباعها أو التحول إلى تبع لهم فإنّ ذلك من أخطر الأمور و مثالها البسيط في تعليم الصغار في المدارس مختلفة العقيدة عن آباءهم فإنّهم يحتاجون إلى عناية أكبر من قبل الوالدين و الأهل، و لهم قابلية التأثر بتلك المدارس و بتلك التربية و التعليم و البيئة المدرسية و التعليمية و بعد فترة من الدراسة قد تظهر ملامح التغيير ثم واقع التغيير ثم يتحولون إلى شيء آخر مختلف الهوية إذا لم تكن لديهم قوة ذاتية و مناعة شخصية و هوية قوية، تحصّنهم من ذلك الانجراف و التأثير.

و كتطبيق لأخذ العلوم و التجارب و الصناعات و الاستيرادات التي يجب أن يحكمها قانون يحافظ على استقلالية و هوية و كرامة البلد المستورد هو الدواء، فالمرض الذي يفتك بمريضه يحتاج بسببه إلى دواء و علاج و ضالّته هو الشفاء فلا ينتبه أو يهتم في عموم الحالات عن مصدره و منبعه، و من أين أتى و كيف أتى، من شرق البلدان أو غربها.

و يذكرون عوامل لحصول الحكمة مثل: قراءة القرآن الكريم، و إخلاص العمل لله (عزّ وجلّ)، و معرفة الله و النبيّ و الأئمّة (صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين)، و الطاعة له تعالى، و قلّة الكلام، و نوم القيلولة، و قلّة الأكل، و مجالسة الأتقياء، و صلاة الليل.

فالمؤمن يبحث عن الحكمة و العلوم، و يستمر في البحث عنها دون توقف حتى الحصول عليها، و لا يهمه أين وجدها أو عند من وجدها، و لا يستنكف إن وجدها عند أسوأ النّاس، و هو أحق بالحكمة و العلوم لإيمانه بالله، فالحكمة ضالّته.

[1] – نهج البلاغة، حكمة 80

[2] – نهج البلاغة، حكمة 79

[3] – سورة لقمان، آية 12

[4] – سورة البقرة، آية 269

[5] – عيون أخبار الرضا (ع)، الشيخ الصدوق، ج2، ص 74، بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج٥٣، ص ٣٢٦ (من أخلص العبادة لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه).

[6] – غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ٧٤٤، عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص ٥١٧

[7] – تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ٦٩٩

[8] – الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٦٢٥

[9] – تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، ورام بن أبي فراس المالكي الاشتري،ج٢، ص٤٦٨

[10] – روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص ١١، مصباح الشریعه و مفتاح الحقیقه للإمام الصادق (ع)، ص 13 (قَالَ عَلِيٌّ (ع): اُطْلُبُوا اَلْعِلْمَ وَ لَوْ بِالصِّينِ وَ هُوَ عِلْمُ مَعْرِفَةِ اَلنَّفْسِ وَ فِيهِ مَعْرِفَةُ اَلرَّبِّ عَزَّ وَ جَلَّ)، بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج2، ص32

[11] – فقه الرضا، علي ابن بابويه القمي، ص ٤٩

[12] – من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج٤، ص ٥٤٢

[13] – سورة الزمر، آية 17-18

Play Video