سياسة الهجرة: مجلس أوروبا يرد بحزم على الرسالة الموقعة من طرف بارت دي فيفر
في تطور مثير للجدل ضمن ملف الهجرة وحقوق الإنسان في أوروبا، ردّ مجلس أوروبا بحزم على الرسالة التي وقّعتها تسع دول أوروبية، من بينها بلجيكا، تقودها إيطاليا، والتي تطالب بإعادة النظر في تفسير الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالهجرة، وعلى رأسها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وفي بيان شديد اللهجة، أكد الأمين العام لمجلس أوروبا، آلان بيرسيه، أن المنظمة لن تسمح بأي محاولات لإضعاف الاتفاقية أو التأثير على استقلال المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، معتبراً أن الحفاظ على قوتها وفعاليتها ضرورة في وجه التحديات المعاصرة.
المبادرة المثيرة للجدل انطلقت من مكتب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، عبر رسالة مفتوحة نُشرت الجمعة، تطالب بفتح نقاش أوروبي حول مدى ملاءمة الاتفاقيات الدولية للواقع الجديد الذي تفرضه قضايا الهجرة.
ووقّعت على الرسالة تسع دول، من بينها إيطاليا والدنمارك وبولندا وبلجيكا، وقد عبّر الموقعون عن قلقهم من أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تتجاوز في بعض الأحيان النطاق الأصلي للاتفاقية، وهو ما يرونه تدخلاً في القدرة السيادية للدول الديمقراطية على اتخاذ قراراتها.
الردّ من ستراسبورغ جاء سريعاً وواضحاً، فبيرسيه، الرئيس الاشتراكي السويسري السابق، شدد في بيانه على أن “النقاش صحي”، لكنه حذر من “تسييس المحكمة”، مؤكداً أن “العدالة لا يجوز أن تكون خاضعة للضغوط السياسية، ولا ينبغي استخدام المحكمة كسلاح، سواء ضد الحكومات أو من قبلها”.
واعتبر أن هذا النوع من المبادرات لا يخدم استقلال القضاء، ولا يعزز مبادئ دولة القانون التي تأسس عليها النظام الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية.
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تمثل الذراع القضائي لمجلس أوروبا، تعمل على ضمان احترام الدول الـ46 الأعضاء للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وتصدر المحكمة قرارات ملزمة بشأن الانتهاكات، ما يجعلها لاعباً أساسياً في المشهد الحقوقي الأوروبي، لكنها كثيراً ما كانت موضع انتقادات من الحكومات التي ترى أن بعض قراراتها تعرقل سياساتها، لا سيما في ملفات الهجرة واللجوء.
الرسالة الأوروبية التي وجّهتها الدول التسع تعكس تصاعد التوتر بين بعض الحكومات الوطنية ومؤسسات الحكم الأوروبية، في وقت تشهد فيه القارة موجة سياسية متزايدة نحو اليمين، حيث تُرفع شعارات السيادة الوطنية والتشدد في ملفات الهجرة.
وقد جاءت مبادرة جورجيا ميلوني في سياق انتخابي ضاغط، كما هو حال العديد من الموقعين، ومن بينهم رئيس بارت دي فيفر، الذي دأب على انتقاد “سطوة القضاء الأوروبي” على ما يسميه بـ”الخيارات الديمقراطية للشعوب”.
لكن مجلس أوروبا يرفض الانصياع لهذا الخطاب، ويؤكد أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تمثل الضمانة الأخيرة للأفراد في مواجهة التعسف والانتهاك، مشدداً على أن حماية الحقوق الأساسية يجب ألا تكون خاضعة لموازين القوى أو التحولات السياسية المؤقتة.
وفي هذا السياق، حذّر بيرسيه من أن إضعاف الاتفاقية من شأنه أن يفتح الباب أمام “نظام متجزئ لحماية الحقوق”، حيث تصبح المبادئ خاضعة للتأويلات القطرية، ما يقوض وحدة المعايير الأوروبية.