د. فاضل حسن شريف
عن مركز آل الحكيم الوثائقي: شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر نجل الإمام الحكيم قدس سره: أمة في رجل (مقدمة): ليس من العدل والإنصاف بمكان أن ندعي أن ما سنكتبه عن الشهيد المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم قدس سره سيكون وافيا ومحيطا بكل جوانب حياته ونشاطاته، وإنما هي رؤوس أقلام ليس إلا، ومجرد إشارات فقط، لأن الكتابة عنه قدس سره أمر لا يخلو من صعوبة ومشقة، فالرجل قد امتد نشاطه لأكثر من نصف قرن، كانت سنينه معبأة ومثخنة بالأحداث والتطوارات، حيث امتازت هذه السنين بصعود الخط البياني لقوة المرجعية وتعاظم نشاطها، وما تبعه من متغيرات على كافة الأصعدة والمستويات، وكان قدس سره مرافقا لهذا الصعود وداخلا في عمقه، حيث انه كان أحد العقول المهمة في الجهاز المرجعي للإمام الحكيم قدس سره، وأحد أهم مستشاري الإمام السيد محمد باقر الصدر ومنسقا فعالا بينه وبين الإمام الخوئي واحد الداعمين بقوة لمرجعية الإمام الخميني. ومن جهة أخرى كانت ولادته في بدايات الحرب الكونية الثانية وما نتج عنها من تجاذبات بين القطبين ألقت بظلالها على الشرق الأوسط والعالم الإسلامي فيما بعد، وما نتج عنها من انعطافات مهمة في حركة الشعوب العربية والإسلامية على مستوى الوعي المرجعي والديني والسياسي والعلمي والثقافي والاجتماعي. ومن هنا تصبح الإحاطة بسيرة شهيدنا بحاجة الى بحث واسع، ومراجعة كثيفة للأحداث، ودراسة معمقة للتطورات، كي يمكن الخروج بنتائج نيرّة المعالم و ناصعة الوضوح. وبهذه المناسبة ندعو كل الأخوة المؤرخين والمثقفين ورجال الدين الى الاهتمام بدراسة شخصية شهيد المحراب، والوقوف عندها ملياً، فهو قدس سره نذر نفسه بصورة مطلقة للإسلام، وأفنى عمره الشريف في خدمة المسلمين، وإضافة الى هذا فحياته تمثل مقطعا مهما من تاريخ العراق الحديث والحركة المرجعية والإسلامية والعلمية والثقافية، و(مؤسسة تراث الشهيد الحكيم / قسم الدراسات) تتعهد بتقديم كل الوثائق المطلوبة التي من شأنها إعانة الباحث على إكمال بحثه وتذليل العقبات من أمامه.
جاء في الموسوعة الحرة عن محمد باقر الحكيم: نشاطه في خارج العراق: منذ أول هجرته من العراق سعى لتصعيد العمل المعارض ضد النظام العراقي آن ذاك وقد قام بخطوات كبيرة في هذا المجال، اسفرت عن زعامة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بعدما كان قد اسس من قبل الإمام الخميني والذي انيط زعامته للسيد محمود الهاشمي. الا بعد قدوم السيد محمد باقر الحكيم وتكريما لال الحكيم عزي زعامة المجلس الأعلى للسيد محمد باقر الحكيم. انتخب رئيساً للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق منذ عام 1986 إلى اغتياله. كما اهتم بإنشاء المؤسسات ذات الطابع الخيري، فأسس “مؤسسة الشهيد الصدر” والمؤسسات الصحية، ثم المركز الوثائقي لحقوق الإنسان في العراق، ومنظمات حقوق الإنسان في العراق المنتشرة في ارجاء العالم. على الصعيد الإنساني أيضاً شجّع انصاره على تأسيس لجان الإغاثة الإنسانية للشيعه المتضررين من نظام الحكم، والتي قدمت خدمات جليلة للعوائل المستضعفة وعوائل القتلى والمعتقلين، حيث تقدم هذه المؤسسات سنوياً المبالغ الطائلة رعاية لهم. على الصعيد الثقافي اسس مؤسسة دار الحكمة التي تقوم بتخريج طلبة العلوم الدينية للمذهب الشيعي واصدار الكتب والكراسات الثقافية والدورات التأهيلية، وكذلك اسس مركز دراسات تاريخ العراق الحديث، وهي كلها مؤسسات يقوم سماحته بالإشراف عليها وتوجيهها والانفاق عليها من اجل خدمة قضايا المسلمين الشيعة في العراق. العودة إلى العراق: عاد إلى العراق في 10/5/2003 وقد حظيَ لدى عودته باستقبال حاشد في البصرة التي كانت مدخله إلى العراق، ومن ثمّ في المدن والبلدات التي مرّ بها في طريقه إلى النجف الاشرف واستقر في مدينة النجف الاشرف في 12/5/2003 وبعد وصوله بأسابيع قليلة أقام صلاة الجمعة في صحن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ورغم كثرة مشاغله فقد واظب على إمامته لها. وكان يدعو إلى مقاومة سلمية للاحتلال وكان لا يحبّذ المقاومة المسلحة لأنّه كان يرى أنّ الشعب منهك من ظلم صدام ولذا يجب استخدام طرق أخرى وإن لم تأت بنتيجة سيكون هناك كلام آخر. أثناء وجوده في العراق، أوكل لأخيه عبد العزيز الحكيم مهمة النشاط السياسيّ المباشر وتمثيل المجلس الأعلى في مجلس الحكم العراقيّ المؤقت.وقد قال في صحيفة العدالة التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. “منهج القوة لا يعتمد إلا بعد استنفاد كافة الأساليب السلميّة والكلمة الطيّبة والحوار والمنطق وهو ما لم يستنفد بعد.. وعلينا بذل الجهود المشروعة ذات الطابع السلميّ لإنهاء الاحتلال”.
جاء في موقع كتابات بين إسلام الإنسانية وإسلام التكفير محمد باقر الحكيم سيد قطب طرفا نقيض للكاتب محمد ابو النواعير: ذا أردنا أن نأخذ مشروع السيد محمد باقر الحكيم (شهيد المحراب), ونحاول إدخاله ضمن مناهج المقارنة مع مشروع قطب سنجد أن هناك بونا شاسعا بين المشروعين. مشروع شهيد المحراب تأسس على عدة مناهج وأعمدة ومعطيات تختلف في جزئها الأكبر عن مشروع قطب؛ فقد انطلق الحكيم أولا من كون الأمة الإسلامية أمة تحتاج لمقومات النهوض وهي تفتقد لهذه المقومات لا لعيب فيها بل لأنها ترزح دوما تحت سيطرة قوى الظلام والإستبداد والدكتاتوريات. لذا بدأ مشروع الحكيم من مفهوم مقاومة الحاكم الظالم والمستبد لأنه سبب دمار الأمة وخذلانها وانهيارها، وهنا يختلف عن قطب الذي جعل من الأمة سببا في الإنهيار, بينما الحكيم يعتقد أنها سببا للنهوض. وقد انطبع هذا المنهج على أغلب تفاصيل مشروع شهيد المحراب فقد أقام مشروعه منطلقا من تأكيده على ضرورة وجود مقومات ثلاثة مهمة تمكن أي أمة من النهوض, أو توفر سبل إستمرار الإسلام ومستويات التدين الصحية, المقومات الثلاثة انطلق بها من حالة تطبيقية (جزئية = العراق) كان يعيشها, وبالإمكان إيجاد موارد تطبيقها في كل مجتمع, لتشابه بُنى المجتمعات الإسلامية بشكلها العام: الأولى هي الجماعة الصالحة والجماعة الصالحة في نظر السيد الحكيم لم تكن كطلائع سيد قطب, لأن الجماعة الصالحة كان دورها يمثل دورا وسيطيّاً حيث قال الله تعالى “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا” (البقرة 143) (دينيا تثقيفيا أي لم يشر الحكيم لدور قتالي أو تكفيري لهذه الجماعة إلا ما كان يتعلق بمحاربة الطواغيت والظلمة) ما بين المقومين الآخرين وهما المرجعية الدينية حيث ان مشروع السيد الحكيم كان يؤمن بضرورة أن يكون لرجل الدين دورا توجيهيّاً حكيما في إصلاح ونهوض الأمة الاسلامية- وبين الجماعات البشرية المكونة للمجتمع.
جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن التَّطوُّر في الأوضاع الإقليمية وتأثيره على المرجعية للسيد محمد باقر الحكيم: لقد ورثنا أوضاعاً عاصرها آباؤنا في هذا القرآن الذي انتهى، حيث كان المستعمر البريطاني هو المسيطر على العراق بعد سقوط الدولة الإسلامية، فنهض علماء الإسلام يدعون إلى النهضة والتحرُّر من سيطرة الاستعمار البريطاني بعد ثلاث سنوات من سقوط بغداد بيده، وذلك في الثورة المعروفة بـ (ثورة العشرين) التي قادها المراجع، فتصدَّى المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي رضي الله عنه ومن بعده المرحوم (شيخ الشريعة الأصفهاني) لهذه المهمَّة. ونتيجة لهذه المواجهة الجهادية اضطرَّ المستعمر الإنجليزي لأن يستجيب ولأوَّل مرة بعد الحرب العالمية الأولى ـ ويوافق على قيام حكومة وطنية حسب المصطلح السياسي المعروف وعندما قامت هذه الحكومة في العراق، كان رأي العلماء أن تكون حكومة إسلامية، لكن الاستعمار البريطاني فرضها حكومة وضعية غير إسلامية، وكان أوَّل موقف اتخذته هذه الحكومة هو الموقف ضد المرجعية الدينية التي قادت الشعب إلى الاستقلال، فقامت بنفيها وإخراج العلماء من النجف الأشرف إلى إيران. أما العلماء غير الإيرانيين، فنفوا إلى مناطق أخرى، بعضهم إلى الجزر المستعمرة من قبل بريطانيا في المحيط الهندي، وبعضهم إلى مناطق أخرى، وهذا عمل لم يجرؤ الاستعمار البريطاني نفسه على القيام به، ولكن قام به هؤلاء الوطنيون الذين حكموا العراق برعاية بريطانية. والأمر نفسه نراه في إيران، فقد قامت حركة واسعة في إيران باسم الحركة (المشروطة) بقيادة العلماء. وقد أرادت هذه الحركة أن يكون الحاكم فيها مقيَّداً بالقوانين الإسلامية، وأن لا يعمل بحسب رغباته وميوله ومصالحه الخاصة، بل يكون مقيداً ومشروطاً بقوانين الإسلام ومصالح الشعب والمؤسسات الدستورية، وهي حركة واسعة جداً قادها العلماء أيضاً، وفي مقدمتهم آية الله الشيخ محمد كاظم الخراساني وآية الله الشيخ فضل الله النوري. ثم لمَّا انتصرت هذه الحركة والتزم الشاه في البداية بها صورياً، ثم أطيح به بانقلاب عسكري كان شعاره تنفيذ الدستور، تحوَّلت الحكومة إلى حكومة وضعية، وجاء إلى السلطة رضا خان بهلوي، وكان أوَّل أعمال هذا الحاكم قيامه بعملية قمع واسعة للإسلام ولعلماء الإسلام معاً، في عملية أشد وأقسى ممَّا جرى في العراق نفسه، ففي العراق تركَّزت القضية في فصل الدين عن السياسة والحكم، أما في إيران فإنه، مضافاً إلى ذلك، تدخل الحاكم في تفاصيل حياة الناس ومنع إقامة الشعائر الدينية والمجالس الحسينية، وحارب الحوزة العلمية، وتدخّل في السلوك الاجتماعي العام للأفراد، وفرض اللباس الموحَّد الغربي على الرجال، والسفور على النساء، مستخدماً أساليب القمع الواسعة لتنفيذ هذه العملية. وشهدت تركيا بقيادة الضابط مصطفى كمال أوضاعاً مماثلة قاسية، أعلن فيها الحاكم سقوط الدولة الإسلامية والتنكُّر للهوية الإسلامية، ومعاداتها بصورة رسمية، مضافاً إلى ذلك المناطق الأخرى التي بقيت تحت السيطرة الغربية. وبصورة إجمالية: وجدت أنظمة وضعية في عالمنا الإسلامي قامت بعملين رئيسيين: الأول: محاصرة الإسلام وإبعاده عن الحياة. الثاني: استخدام القمع لتنفيذ هذه السياسة على خلاف رغبة الأمَّة. ومن الطبيعي أن تفرض هذه التحوُّلات وتلقي بظلالها الثقيلة والمعقدة على المرجعية وأوضاعها، الأمر الذي يقتضي إعادة النظر والتجديد في صياغتها ومنهجها وأساليبها وطريقة أدائها.