د. فاضل حسن شريف
جاء في صفحة محمد محمد جابر بتأريخ 30 آيار 2025 للكاتب محمد الناصري عن منبر الجمعة يجلد الفساد الشيخ الناصري يدق ناقوس الخطر في خطبة الجمعة التي ألقاها سماحة حجة الإسلام الشيخ محمد مهدي الناصري في جامع الشيخ عباس الكبير بمدينة الناصرية، لفت إلى أن غياب التخطيط المدروس يجعل الفوضى سيدة الموقف، في ظل صمت الجهات الرقابية، وغياب المعايير الحقيقية التي تُعطي الأولوية لمصلحة المواطن بدل مصلحة الفاسدين. ثقافة التبرير بدل ثقافة المحاسبة: وفي مقطع لافت من الخطبة، طرح الشيخ الناصري سؤالًا مؤلمًا: “هل بقي فينا حياء بعد كل هذا السكوت على التلاعب بمصائر الناس؟”، في إشارة إلى حجم التجاوزات التي أصبحت تمر دون حتى أدنى مساءلة أو تحقيق. وأضاف أن ما يزيد الأمر خطورة هو تواطؤ الكثيرين مع هذا الواقع عبر ثقافة التبرير، والتعامل مع الانحرافات كـ”أمر طبيعي” في مؤسسات الدولة. من المسؤول؟ ختم الشيخ الناصري خطبته بتوجيه نداء للمجتمع والدولة على حد سواء، مؤكدًا أن استمرار السكوت يعني شرعنة الفساد، وأن الصمت ليس حيادًا، بل موقف متواطئ يعمّق الجرح ويؤجل الانفجار. وطالب بضرورة إعادة النظر في كل منظومة الرقابة والمحاسبة، ودعم كل صوت نزيه يسعى لكشف الحقيقة والدفاع عن حقوق الناس، لأن البديل – كما قال – هو تطبيع الجريمة وانهيار ما تبقى من ثقة الشعب بمؤسسات الدولة.
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع دار السيدة رقية عليها السلام للقرآن الكريم عن الفساد في المفهوم القرآني للكاتب مصطفى الشيخ عبد الحميد المرهون: نلاحظ: أولاً: الآيات الناهية عن الفساد في الأرض. يقول تعالى في سورة الاعراف: “وَلاَتُفْسِدُوا فِي الاَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحَهِا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِنَ المْحسِنِينَ” (الأعراف 56)، وهنا يدعو الله سبحانه وتعالى عباده إلى الاعتدال في العبادة: (وأمّا فيما بينهم وبين الناس فألاّ يفسدوا في الارض بعد إصلاحها، فليس حقيقة الدين فيما يرجع إلى حقوق الناس، إلا أن يصلح شأنهم بارتفاع المظالم من بينهم، ومعاملتهم بما يعينهم على التقوى، ويقرِّبهم من سعادة الحياة في الدنيا والاخرة). كما أن الخالق سبحانه أسبغ النعم الكثيرة على الانسان لكي يسعد في حياته، وهيَّأ له وسائل الامن والاستقرار، وهداه إلى استغلال مافي الكون، وبالخصوص الاستفادة من الارض وخيراتها، ولكي تستمر هذه الحياة الطيبة، نهاه عن الفساد، كما حكى ذلك في نفس السورة، عندما بعث صالحاً عليه السلام إلى ثمود، وقد كانت تعيش في حضارة عمرانية واضحة المعالم، وكانت في رفاهية وخير، وكانت مساكنهم بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، قال تعالى مذكراً إياهم هذه النعم ومنبهاً لهم: “فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الاَرْضِ مُفْسِدِينَ” (الأعراف 74). وبعد هذا تحدثت السورة عن مدين، عندما بعث الله لهم شعيباًعليه السلام يأمرهم أن يوفوا الكيل والميزان، وينهاهم عن البخس والفساد في الارض، لا نَّ ذلك يفسد المعاملات بين الناس، ويقطع الاواصر الاجتماعية ويثير المشاكل الاقتصادية، وعدم حفظ حقوق الاخرين، ولا شك أن هذا من أعظم المفاسد، يقول تعالى: “وإِلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدوُا اللهَ مالَكُمْ مِنْ إِله غَيرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الكَيْلَ وَالمْيِزَانَ وَلاَتبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَتُفْسِدُوا فِي الاَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ” (الأعراف 85). (وقد دعاهم أولاً بعد التوحيد، الذي هو أصل الدين، إلى إيفاء الكيل والميزان، وألاّ تبخسوا الناس أشياءهم، فقد كان الافساد في المعاملات رائجاً فيهم شائعاً بينهم. ثم دعاهم ثانياً بقوله:(وَلا تُفِسدُوا فِي الاَرضِ بَعدَ إِصلاَحِهَا) إلى الكف عن الافساد في الارض،بعدما أصلحها الله بحسب طبعها، والفطرة الانسانية الداعية إلى إصلاحها، كي ينتظم بذلك أمر الحياة السعيدة. والافساد في الارض، وإن كان بحسب إِطلاق معناه يشمل جميع المعاصي والذنوب ممّا يتعلق بحقوق الله، أو بحقوق الناس كائنة ما كانت، لكن مقابلته لما قبله وما بعده يخصه تقريباً بالافساد الذي يسلب الامن العام في الاموال والاعراض والنفوس، كقطع الطرق ونهب الاموال وهتك الأعراض وقتل النفوس المحترمة. ثم علل دعوته إلى الامرين بقوله: “ذَلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ” (الأعراف 85). أمّا كون إيفاء الكيل والميزان، وعدم بخس الناس أشياءهم، خيراً، فلان حياة الإنسان الاجتماعية في استقامتها مبنية على المبادلة بين الافراد، بإعطاء كل منهم ما يفضل من حاجته، وأخذ ما يعادله، ممّا يتمم به نقصه في ضروريات الحياة وما يتبعها، وهذا يحتاج إلى أمن عام في المعاملات تحفظ به أوصاف الأشياء ومقاديرها على ماهي عليه. فمن يجوّز لنفسه البخس في أشياء الناس فهو يجوّز ذلك لكل من هو مثله، وهو شيوعه، وإذا شاع البخس والغش والغرر من غير أن يؤمن حلول السم محل الشفاء والردي مكان الجيد، والخليط مكان الخالص، وبالاخرة كل شيء محل كل شيء بأنواع الحيل والعلاجات، كان فيه هلاك الاموال والنفوس جميعاً. وأما كون الكف عن إفساد الارض خيراً لهم، فلان سلب الامن العام يوقف رحى المجتمع الانساني عن حركتها من جميع الجهات، وفي ذلك هلاك الحرث والنسل وفناء الانسانية).
جاء في موقع إسلام ويب: فحكم الفساد هو التحريم، وقد تكرر النهي عنه في الكتاب والسنة. قال تعالى: “وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ” (البقرة 205). وقال: “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (الأعراف 56). وقال: “فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ” (هود 116). وقال: “وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” (القصص 77).
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع كلية العلوم الاسلامية في جامعة الانبار عن النزاهة ومحاربة الفساد في ضوء الشريعة الاسلامية للدكتور مازن مزهر ابراهيم الحديثي: الأدلة على الأمر بالنزاهة في كل المجالات والنواحي وكيفية محاربة الفساد بأوجهه المختلفة في القرآن الكريم والسنة النبوية والآثار عن السلف الصالح والعلماء؟ أودع الله سبحانه وتعالى في الإنسان جملة من الشهوات والغرائز والمشاعر والأحاسيس، ليعيش المرء مستمتعا بحياته وأحواله، دون الإضرار بغيره من البشرِ، ولذلك لم يُترك له حرية التصرف وإطلاق العنان للشهوة والغريزة بل ضبطها الشارع وقيّدها وفق منظومة من الشرائع والأحكام التي تربّي النفس وتزكّيها وتبعدها عن الطمع والجشع والخوض في تجارب حيوانية من شأنها أن ترسخ مفهوم القوّة والغطرسة، وتقضي على كل قيمة عالية ومبدأ سامٍ، ويعترف الإسلام بالشهوة ولكنه يضبطها، ويعترف بالغريزة ولكنه يقيّدها لأن إشباعها يتقارب مع مفهوم الحيوان وتقييدها وضبطها يتقارب مع مفهوم الإنسان، يقول الحق تبارك وتعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” (الإسراء 70). ورغم كل التدابير الشرعية والقانونية التي تجرّم الفساد بكل أنواعه لأنه خلق ذميم يساهم في إحداث خلل في التركيبة السكانية من حيث الفقر والغنى، ويشجع على انتشار الجريمة بكافة أوجهها من سرقة واعتداءات واغتصابات وزِنًا وعلاقات محرّمة شرعا وقانونا، إلا أن الناس كالأمواج ترتفع أحيانا وتهدأ أحيانا أخرى، ترتفع عند الحاجة والطمع والجشع وتنخفض عند إحياء الوازع الديني والضمير المهني والنفس اللوامة التي أقسم بها الله عزّ وجل في سورة القيامة.