اخر الاخبار

ممثل المرجعية الدينية العليا في أوروبا :الامام الرضا (ع) أسس للحوار بين الأديان بمنهج قرآني

هنــأ ممثل المرجعية الدينية العليا في أوروبا السيد مرتضى الكشميري العالم الإسلامي بولادة الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ،قائلا،إن سيرة الإمام الرضا (ع) تمثل أنموذجا فريدا يحتذى به في الزهد والتواضع ومكارم الأخلاق و لقد كان دوره (ع) بارز في إرساء قواعد الحوار بين الأديان متبعا المنهج القرآني ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن))

يوافق يوم الجمعة الحادي عشر من شهر ذي القعدة الحرام ذكرى ولادة الإمام علي بن موسى الرضا (ع). ولد (ع) في المدينة المنورة سنة 148 هـ، في العام نفسه الذي توفي فيه جده الإمام الصادق (ع). وقد نشأ (ع) في بيت النبوة والإمامة في كنف والده الإمام الكاظم (ع) نشأة علمية وروحية متميزة، فكان منذ صغره موضع اهتمام العلماء والفقهاء.
وعُرف الإمام الرضا (ع) بلقب “العالم” لما ظهر على يديه من علم غزير ومعارف جمة، يقول إبراهيم بن العباس: (ما رأيت الرضا يسأل عن شيء إلا علم،ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب)، حتى قال فيه المأمون: (ما أعلم أحدًا أفضل من هذا الرجل على وجه الأرض)،
وأما مكارم أخلاقه، فقد تجلت فيه تلك الخصال التي ورثها من جده رسول الله (ص)، فلم يكن يرد سائلًا، ولم يغضب أبدًا في وجه أحد، وكان يجالس الفقراء ويؤاكلهم، ويعطيهم مما يأكل.وكان من عادته أن يزور المرضى، حتى غير المسلمين منهم، ويعزي المصابين، ويكرم الضيوف.وروي أنه (ع) دعا يوما بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة؟ فقال: (مه إن الرب تبارك وتعالى واحد والام واحدة والأب واحد والجزاء بالاعمال). وعلى الرغم من كونه ولي عهد الخليفة في ذلك الحين فلم تكن لتلفته مظاهر السلطان والجاه شأنه في ذلك شأن جده أمير المؤمنين (ع)، ويروى أنه كان جلوسه على حصيرة في الصيف، وعلى مسح في الشتاء، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز الناس تزيأ.
وتشكل حياة إمامنا الرضا (ع) محطة بارزة في تاريخ الإمامة والعلم والحوار الحضاري. فإلى جانب ما تميز به من خصال فريدة ومواهب ربانية جمعت بين الورع والعلم، وبين الزهد والحكمة، فقد أظهر أنموذجا مضيئا للقيادة الروحية والانفتاح على العالم المختلف. لقد عايش (ع) فترة حرجة من تاريخ الدولة العباسية، وكان حضوره في البلاط العباسي، وخاصة في عهد المأمون، فرصة ثمينة لتجلية معالم الإسلام المحمدي الأصيل.
وبرز دوره (ع) بوضوح في مجال الحوار بين الأديان، خصوصًا في خراسان، بعد أن استدعاه المأمون العباسي وأجبره على قبول ولاية العهد سنة.وقد أراد الخليفة أن يستفيد من موقع الإمام ومكانته الروحية لإضفاء شرعية على حكمه، لكن الإمام الرضا(ع) حول تلك الفرصة إلى منصة لنشر المعارف الإسلامية الأصيلة، من خلال المناظرات العلمية التي أجراها مع كبار علماء الأديان والمذاهب.فكان المأمون يجمع أهل الأديان: من النصارى، واليهود، والمجوس، والصابئة، بل حتى الزنادقة، ويطلب من الإمام الرضا أن يحاورهم، وكان الإمام (ع) يقبل الدعوة ولا يرفض مناظرة أحد. وكان مذهلًا في قدرته على محاورة كل طرف بلغته وبحسب مبادئ دينه، فيخاطب النصراني بالإنجيل، واليهودي بالتوراة، والمجوسي دون أن يخطئ أو يتردد.
ومن مناظراته التي ينقلها التاريخ ما جرى بينه والجاثليق (زعيم النصارى) ورأس الجالوت (عالم اليهود) وعمران الصابي والهربذ الأكبر زعيم المجوس.لقد كان الإمام في هذه المناظرات لا يسعى إلى الانتصار الجدلي، بل إلى إيصال الحقيقة بالحكمة والموعظة الحسنة، تطبيقًا لقوله تعالى: ((وجادلهم بالتي هي أحسن)). كما أنه أرسى مبدأ احترام الإنسان مهما كان دينه أو معتقده، وفتح المجال أمام التفاهم والتلاقي لا الصراع والتعصب.
إن شخصية الإمام الرضا (ع) تمثل مدرسة متكاملة في العلم والتقوى، وفي الأخلاق والحوار. لقد ترك بصمة خالدة في وجدان الأمة، ليس فقط من خلال عبادته وفضله، بل من خلال انفتاحه على الآخر، وقدرته على تحويل النقاشات العقدية إلى مساحات لقاء، بدلاً من أن تكون ساحة خصام. واليوم، ونحن في زمن التوترات الدينية، يُمكن للعالم أن يستلهم من سيرة الإمام الرضا (ع) منهجًا راشدًا في إدارة الحوار، قائمًا على العقلانية والاحترام المتبادل، وهي رسالة أهل البيت (ع) لكل الإنسانية.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا للاقتداء به وانتهاج منهاجه قولا وفعلا وان يقسم لنا زيارته في الدنيا عاجلا وأن يجعله شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
اللهم صل على علي بن موسى الرضا المرتضى، الامام التقي النقي وحجتك على من فوق الأرض ومن تحت الثرى، الصديق الشهيد، صلاة كثيرة تامة زاكية متواصلة متواترة مترادفة، كأفضل ما صليت على أحد من أوليائك.