د. فاضل حسن شريف
جاء في موقع قاف للأنباء القرآنية عن موقف القرآن الكريم من الإشاعة: – سبب انتشار الشائعة التساهل، وقلة الوعي: “إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ولا تحسبونه هيّناً هوَ عندَ اللهِ عظيم” (النور 15) تبين هذه الآية كيف ابتُلي المؤمنون بهذا الذنب العظيم نتيجة تساهلهم، وتشير إلى ثلاثة ذنوب عظيمة في هذا المجال: الأول: استقبال الإشاعة وتناقلها. الثاني: نشرها دون أي تحقيق أو علم بصدقها. الثالث: استصغارها واعتبارها وسيلة للهو وقضاء الوقت. يقول المختصون في مجال حرب الإشاعة: إن الإشاعة تبدأ بمصدر وهو الذي يقوم ببنائها ثم نشرها لأغراض معينة، وهناك متلقي الإشاعة وناشرها وهي تنتشر دائماً في المجتمعات التي تتميز بضعف وعيها السياسي والثقافي، والشرط الأساسي لانتشارها هو انعدام المعرفة وجميع هذه الملاحظات أشارت إليها الآية الكريمة. -الإشاعة يجب أن تُدفن في مهدها: “ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم” (النور 16) تعود الآية إلى تأنيب المسلمين مرة أخرى، وتطلب منهم ليس فقط عدم التكلم بموضوع الإشاعة ونشرها، بل تكذيبها بقوة: “سبحانك هذا بهتان عظيم” (النور 16) أي تعجب ممن يقول ذلك، كما يجب رد الكلام ووصفه بأنه كذب وزور. أخذ الدرس من التجارب: “يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين * ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم” (النور 17-18) تقول الآيتان الأخيرتان في البحث: إن الله تعالى ينهى المؤمنين من العودة إلى هذا الذنب العظيم أبداً أي ما دموا أحياء، فلا يكفي الندم على أخطاء الماضي، بل يجب أخذ الموعظة والدرس مما جرى، والتصميم على عدم تكرار الأخطاء نفسها مستقبلاً، وعليهم أن يدركوا أن أحكام الله تعالى صادرة عن علم وحكمة فهو تعالى عالم بما يضرهم وما ينفعهم. من البحث السابق يتبين لنا اهتمام القرآن بمسألة الإشاعة بوصفها إحدى وسائل الحرب النفسية التي يستعملها الأعداء في إشاعة الاضطراب، وإشغال الناس عن قضاياهم الحساسة. ليتسنى لهم التغلب العسكري، وكما تستعمل الإشاعة كسلاح في الحروب، فإنها تستعمل في أوقات السلم أيضاً لغرض الانتقام أو تصفية الحسابات، أو إزالة الثقة عن الشخصيات الكبيرة والمؤثرة في المجتمع كما في قصة الإفك ومحاولة المنافقين المساس بسمعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحط من شأنه المقدس لدى الناس وقد عالج القرآن هذا الموضوع الخطير من خلال النقاط التالية: الأولى:كل أفراد المجتمع يتحملون مسؤولية انتشار الإشاعة، وإن كان الوزر الأكبر يقع على من بدأها. الثانية:يجب أن تشيع روح الثقة وحسن الظن بين المؤمنين نساء ورجالاً، فلا يصدقون كل ما يشاع على بعضهم بعضاً. الثالثة: عليهم مطالبة من يتهم الآخرين بالبينة وإلا فهو كاذب ويستحق العقاب. الرابعة: إن الخوض في الإشاعات وترويجها يصيب المجتمع بالاضطراب والآلام والأزمات. الخامسة: عدم استصغار موضوع الإشاعة، بل النظر إليه كذنب عظيم. السادسة: الحذر والحرص الشديد من الوقوع في الأخطاء نفسها، وأخذ الدروس والعبر من التجارب المؤلمة.
جاء في موقع الالوكة الشرعية عن الإشاعة (التعريف والخطر والتاريخ والسمات) للكاتب عوض عز الرجال متولي عفيفي: خطر الشائعات: 1- ما تعانيه الأمة من حرب على جميع المستويات بكل أنواعها وأشكالها، بهدف هزيمة الأمة نفسيًّا، وأهم أسلحة الحرب النفسية: الشائعات. 2- الإشاعة قد تكون مِعْوَل هدم للدين من الداخل أو الخارج، وهي تضر بالدعوة والدعاة، وتاريخ الدعوة من آدم – عليه السلام – إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – ومرورًا بالعلماء إلى يومنا هذا مَلِيء بالشواهد، والأدلة الدالة على ذلك: قال الطبري: “يقول تعالى ذكره: أيقول يا محمد هؤلاء المشركون من قومك: أفترى محمَّدٌ هذا القرآنَ؟ وهذا الخبرَ عن نوح؟ قل لهم: إن افتريتُه فتخرَّصتُه واختلقتُه، “فَعَلَيَّ إِجْرَامِي” (هود 35)، تفسير الطبري (15/ 305)، وقال القرطبي: “قوله تعالى: “أم يقولون افتراه” يَعْنُون النبيَّ صلى الله عليه وسلم، تفسير القرطبي (9/29). ونُسِب الافتراءُ على الله إلى كل الأنبياء، وبرَّأ اللهُ موسى مما أشاعه بنو إسرائيل عليه من المرض في جسده، فقال الله – تعالى -: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا” (الأحزاب 69). واتُّهم غير واحد من الأنبياء – عليهم السلام – وأشيع عليه الكذب، وأُشِيع عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه: “كاذب – ساحر – مجنون – شاعر”، وأُشِيع عليه أنه “أُذُن”، أي: يجتمع بكل مَن يأتيه، ويصدِّقه، فدافع اللهُ عنه، وبيَّن الحقيقة بأنه: “أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ” (التوبة 61)، وهو يؤمن بالله، ويؤمن للمؤمنين. 3- دور الشائعة الخطير في تدمير المجتمعات، وإقلاق الأبرياء، وتحطيم العظماء، وهزيمة الجيوش، وما لها من قدرة على تفتيت الصف الواحد وتشتيته، وبث الفُرْقة بين أفراده، فهي تكوِّن أجواء قابلة للتشقُّق، والصراعات، والولوج في المحرمات. 4- وإذا نظرنا في تاريخ الدعوة الإسلامية في مكة والمدينة المنورة، لوجدنا أن الشائعات كانت سمةً أساسية في حرب المشركين للمسلمين. فما أرجعَ أصحابَ الهجرةِ الأولى إلى الحبشة منها إلى مكة إلا شائعة. وما صدَّ الناسَ عن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة إلا شائعة. وأعظم مكرٍ مُكِرَ بالمسلمين من المنافقين في المدينة المنورة شائعةُ الإفك، التي مكثت المدينةُ المنورة ومجتمعُ أهل الإيمان يَكتَوِي بها شهرًا كاملاً. 5- إن الشائعات تكُون في الغالب سببًا في اتخاذ مواقف وإصدار أحكام. 6- إن من الأحكام الشرعية ما يتعلق بالشائعات، فيُبْنى عليها حُكم شرعي. 7- الآثار المدمِّرة التي تخلِّفها الإشاعة.
جاء في موقع هيئة علماء فلسطين عن احذروا الشائعات للكاتب صلاح نجيب الدق: التحذير من الشائعات وصيةُ ربِّ العالَمين: حذَّرنا الله تعالى في كتابه العزيز من نقل الشائعات قبل التثبُّتِ مِن صِدقها ومصدرها. (1) قال جل شأنه: “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا” (النساء 83). قال الإمام ابن كثير رحمه الله قوله تعالى: “وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ” (النساء 83) إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحقُّقها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة، (تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 365). (2) قال سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” (النساء 94). قال الإمام السعدي رحمه الله: يأمر تعالى عباده المؤمنين إذا خرجوا جهادًا في سبيله وابتغاء مرضاته أن يتبيَّنوا ويتثبَّتوا في جميع أمورهم المشتبهة، فإن الأمور قسمانِ: واضحة وغير واضحة، فالواضحة البينة لا تحتاج إلى تثبُّت وتبيُّن، لأن ذلك تحصيل حاصل، وأما الأمور المشكِلة غير الواضحة فإن الإنسان يحتاج إلى التثبُّت فيها والتبيُّن، ليعرف هل يُقدِم عليها أم لا؟ فإن التثبت في هذه الأمور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة، والكف لشرور عظيمة، ما به يُعرَف دِين العبد وعقله ورزانته، بخلاف المستعجل للأمور في بدايتها قبل أن يتبين له حكمها، فإن ذلك يؤدي إلى ما لا ينبغي، (تفسير السعدي صـ 194). (3) قال جل شأنه: “لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا * إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا” (النساء 148-149). (4) قال سبحانه: “وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا” (الفرقان 72). (5) قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” (الحجرات 6). في هذه الآية المباركة وصف الله تعالى مروِّجي الشائعات بالفسق، وحثَّ الناس على التثبُّت والتبيُّن قبل قبول الخبر الكاذب. قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له، لئلا يحكم بقوله فيكون – في نفس الأمر -كاذبًا أو مخطئًا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباعِ سبيل المفسدين، (تفسير ابن كثير جـ 13 صـ 144). سبب نزول هذه الآية: روى البيهقي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيطٍ إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات، وأنه لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا ليتلقَّوْا رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضبًا شديدًا، فبينما هو يحدِّث نفسه أن يغزوَهم إذ أتاه الوفد، فقالوا: يا رسول الله، إنا حُدِّثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضبٍ غضبتَه علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبِ الله وغضب رسوله، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتَبَهم وهَمَّ بهم، فأنزل الله عز وجل عُذرَهم في الكتاب، فقال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” (الحجرات 6)، (حديث حسن) (السلسلة الصحيحة للألباني حديث: 3088). (6) قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ” (الحجرات 12). أمَرنا الله تعالى أن نتجنب الظن في المسلمين، والظن يأتي غالبًا عن طريق الشائعات، فيجب على الإنسان أن يُحسِنَ الظن بإخوانه، ولا يصدِّق كل ما يسمع حتى يتثبَّتَ. قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثيرٍ من الظن، وهو التهمة والتخوُّن للأهل والأقارب والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليُجتَنَبْ كثيرٌ منه احتياطًا، (تفسير ابن كثير جـ 13 صـ 155).