في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والحقوقية، أقرّ مجلس النواب الهولندي، مساء الخميس، مشروعي قانون يقضيان بتشديد القيود على طالبي اللجوء، لكن تعديلاً أُضيف في اللحظات الأخيرة قلب موازين الدعم داخل الائتلاف النيابي، بعدما نصّ صراحة على تجريم تقديم المساعدات للمهاجرين غير النظاميين.
هذا التعديل المفاجئ دفع الحزب الديمقراطي المسيحي إلى سحب دعمه، ما يُنذر بعقبات قد تواجه المشروع في مجلس الشيوخ لاحقًا.
وينص التشريعان على تقليص مدة تصاريح الإقامة المؤقتة من خمس سنوات إلى ثلاث، وتعليق إصدار تصاريح جديدة إلى أجل غير مسمى، إضافة إلى فرض قيود صارمة على لمّ شمل الأسر، ما اعتُبر تصعيدًا غير مسبوق في سياسة الهجرة. وجاءت هذه القوانين في سياق سياسي محتدم، عقب انهيار الائتلاف الحكومي الذي كان يقوده رئيس الوزراء مارك روته، إثر انسحاب حزب اليمين المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز بسبب خلافات حول ملف اللجوء.
وكان ملف الهجرة نقطة توتر رئيسية داخل الحكومة السابقة، إذ ضغط فيلدرز طويلاً لفرض إجراءات أكثر صرامة، مهددًا بانسحاب حزبه إن لم تتم الاستجابة لمطالبه.
وبعد انسحاب حزبه فعلًا، ألقى فيلدرز باللوم على شركائه في الائتلاف لتقاعسهم عن إصلاح نظام اللجوء، بينما نفى هؤلاء صحة تلك الاتهامات، مؤكدين التزامهم بخطوات إصلاحية تدريجية.
لكن ما زاد الطين بلّة هو التعديل المثير للجدل الذي قدّمه أحد نواب فيلدرز، وينص على تجريم الأفراد والمنظمات التي تقدم مساعدات، ولو إنسانية، للمهاجرين غير النظاميين.
هذا البند أثار عاصفة من الاعتراضات داخل البرلمان وخارجه، حيث حذّرت منظمات حقوقية من أنه قد يؤدي إلى ملاحقة من يقدم الطعام أو المأوى أو الرعاية الطبية لمهاجرين يعيشون في وضع غير قانوني، مما يُهدد أحد أعمدة العمل الإنساني في البلاد.
ويقدّر الصليب الأحمر الهولندي عدد المقيمين في هولندا دون وضع قانوني بين 23,000 و58,000 شخص، ما يعني أن آلاف الأفراد قد يجدون أنفسهم فجأة محرومين من أبسط أشكال الدعم الإنساني، في وقت يعيش فيه كثير منهم ظروفًا صحية ومعيشية هشة.
ورغم تمرير مشروعَي القانون في مجلس النواب، إلا أن مصيرهما لا يزال غير محسوم في مجلس الشيوخ، الذي لن ينظر فيهما قبل انتهاء العطلة الصيفية. وفي حال رفض المجلس الأعلى هذه النصوص، فستُعاد إلى مجلس النواب لإعادة مناقشتها، في وقت تتجه فيه البلاد نحو انتخابات مبكرة مقررة في 29 أكتوبر، يُتوقع أن تطغى فيها قضية الهجرة على المشهد الانتخابي.
ويتصدّر حزب فيلدرز حاليًا استطلاعات الرأي، متقدمًا بفارق طفيف على تحالف يسار الوسط المشكّل حديثًا، ما يعكس انقسام الشارع الهولندي بين من يطالب بتشديد القيود على المهاجرين، ومن يصر على احترام التزامات البلاد الحقوقية والإنسانية.
الجدير بالذكر أن جلسة التصويت التي شهدت تمرير القانونَين، شكّلت آخر أعمال البرلمان قبل انطلاق عطلته الصيفية، ما يُضفي على هذه التطورات طابعًا دراماتيكيًا، إذ ستكون نتائج النقاشات المقبلة في مجلس الشيوخ حاسمة ليس فقط لمستقبل التشريعات المطروحة، بل أيضًا لتحديد الاتجاه الذي ستسلكه السياسة الهولندية تجاه اللاجئين والمهاجرين في السنوات القادمة.
بلجيكا 24