لجان المشتريات فـي الدوائر الحكومية : أرباح خيالية أمام أنظار المسؤول والقانون
    
 بعد أن اطمأن أبو مصطفى "موظف حكومي" من أن العنف الطائفي قد انخفض بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، ما سمح له وللعائلة بحرية الحركة واعطائهم أمانا نسبيا،فوجئ بتكليفه بشكل رسمي من الدائرة التي يعمل بها برئاسة لجنة المشتريات، ما يعني دخوله في صراع مع "مافيات" الشراء والبيع، والتي يعتقد بانها كانت السبب في قتل زميله ورئيس اللجنة السابقة بسبب رفضه الانصياع الى أوامرهم وتقبل الرشوة مقابل الحصول على صفقات "حكومية" مربحة. 
 
لجان المشتريات تستفيد مالياً
الدكتور محمد سلمان من وزارة الصحة يشير لـ ( المدى ) أن لجان المشتريات في معظم مؤسسات الدولة تعمل على الربح السريع والاستفادة مادياً من خلال شراء مواد وتجهيزات مختلفة اغلبها ذات مواصفات غير جيدة وبأسعار تصل الى ثلاثة أضعاف السعر الحقيقي لأية مادة مطلوب شراؤها ما يؤدي الى خلق صراعات بشكل مستمر ما بين أعضاء الجان التي تتغير بين فترة واخرى .سلمان أوضح أن شراء الأثاث والحاسبات اصبح حالة تجديد متكررة لدى وزارات الدولة وان هناك خروقات وتجاوزات تحصل أمام المعنيين والمختصين وقد اطلعت لجنة النزاهة التي تقوم بزيارات صورة دورية ومستمرة ولاحظت وجود أسعار خيالية وغير معقولة لمواد تم شراؤها من قبل مؤسسات أو هيئات ووزارات الحكومة بل وصل الأمر الى انفراد لجان المشتريات بشكل مستمر في العمل وهذا مخالف ادارياً كتفشي أنواع الفساد وبالفعل تم رصد العشرات من حالات الفساد المالي والاداري والخاصة بعمليات لجان المشتريات.
سلمان بين ان موظف التدقيق والمدير العام اضافة الى المحافظ وحتى الوزير هو المسؤول الأول أمام القانون عن لجان المشتريات في مؤسسات الدولة وهم من سيكونون المتهمين بهدر المال العام نتيجة اما التواطؤ او عدم الدقة والتحري بصورة قانونية بل شركاء في حالات الفساد .
مشتريات الداخلية والتربية والتعليم والصحة تتجاوز الـ 150 مليار دينار سنوياً
صاحب احد معارض الأثاث في شارع النضال رفض الكشف عن اسمه استفسرنا منه عن قضية الشراء المتكرر لدوائر الدولة وخصوصاً الأثاث اذ تقوم بعض الدوائر وبشكل دوري بتغيير الأثاث المكتبي لجميع غرف الدائرة وخصوصاً اختيار أثاث مميز لمكتب رئيس الدائرة والمدراء العامين. مجيباً أن وزارة الصناعة لها الدور الكبير في هذه من خلال قيام وزارة الصناعة وتحديداً مصنع بغداد بالتعاون مع احدى الشركات المختصة على شراء الترخيص الحصري اذ تنص تعليمات وزارة المالية على وجود اعتذار رسمي من قبل وزارة الصناعة يفيد بعدم وجود القدرة على تجهيز الوزارة او الدائرة الحكومية بالإنتاج المحلي وهذا مسوغ قانوني لمؤسسات الدولة بغية التمكن من الشراء من القطاع الخاص . وهناك مافيا كبيرة تعمل بهذا المجال ما بين وزارات الدولة والشركة وعدد من الوزارات التي تمتلك القدرة على الشراء المتكرر .
ابو حمزة ، وهو محاسب في احدى الشركات التجارية المختصة بالأثاث المستورد يشير لـ ( المدى ) أن معظم لجان المشتريات تبحث عن عمولة وهذا شيء معتاد واصبح عرفا في السوق العراقية لكن ان يصل الحال الى اضافة 100% على السعر الحقيقي للبضاعة الراغبين بشرائها من قبل تلك اللجان فهذا اصبح امرا غير مرغوب فيه وهو احد الأسباب الرئيسية التي أدت الى توقف كبير في مبيعاتنا مع دوائر الدولة ونحن لدينا الكفاءة من ناحية المنتج والمتانة لكن هذا هو حال العمل مع مؤسسات الدولة .
ابو سعد ، وهو احد العاملين في قطاع الأثاث المستورد منذ 14 عاماً يشير لـ ( المدى ) أن هناك قلة في شراء الأثاث من قبل دوائر الدولة خلال هذا العام بسبب عدم إقرار الموازنة وليست حركة السوق ممثل الأعوام السابقة وان وجدت مشتريات فهي محصورة عند شركة محددة ومعروفة واقدر ان أجزم أن شارع النضال انتهت الحركة فيه كونه احد الأسواق المعروفة في وسط العاصمة بغداد بعد ان هيمن عليه عدد من الشركات .
لنا شراكة مع القطاع الخاص 
مصنع بغداد للأثاث التابع لوزارة الصناعة والمعادن وهو الجهة المنتجة للأثاث المكتبي ، مصدر فيه أشار لـ ( المدى ) الى قدرة إنتاج المصنع الذي يعمل بقدرة طبيعة ونوعية المنتج عالية جداً وحسب مصدر مطلع ابلغ المدى ان المصنع اتفق مع عدد من الشركات القطاع الحاص على مبدا شراكة وبالرغم من اتصالاتنا المتكررة بالمكتب الإعلامي ومكتب مدير عام المصنع لم نحصل على إجابة وافية حول طبيعة الشراكة لاسيما ان البعض من المعنيين والمختصين في تجارة الأثاث المستورد شكا من وجود اتفاق مبرم مابين مصنع بغداد وشركات متخصصة أضرت بتجارتهم .
معظم حسابات دوائر الدولة لا ترغب بإعادة المبالغ المتبقية 
ابو شهد ، مدير قسم التدقيق في احدى دوائر وزارة الصحة يبين لـ ( المدى) أن تبويب النفقات الخاصة بالموازنة السنوية لكل دائرة حكومية وعندما تقترب نهاية السنة المالية يقوم قسم الحسابات بالدائرة باحتساب المبالغ المتبقية في كل بند من الميزانية حيث يتم الصرف السريع كشراء أثاث او صرف مكافاة او غيرها من التبويب المعروف .
ابو شهد بين ان معظم دوائر الدولة ترفض ان تعيد المبالغ المتبقية لوزارة المالية بسبب عقدة (المالية نفسها ) كون إعادة المبالغ من قبل الدوائر يعني عدم وجود دراسة وحسابات دقيقة حول تقدير الحاجة .
ابو زهراء ، موظف في وزارة التربية يتحدث لـ ( المدى ) انه عمل في احدى لجان المشتريات ولقد شاهد العجب بسبب أن معظم الإجراءات الخاصة بالمشتريات وحالة التدقيق وتقديم العروض مسبقاً هي أشبه بـ ( مسلسل كوميدي ) اذ يعرف جميع المعنيين والمختصين في كل دائرة بهذا المسلسل وحتى أصحاب المحال يعلمون جيداً ان لجنة المشتريات تبحث عن المقسوم اولاً قبل البضاعة ومتانتها وجودتها .
بسام روى احدى الحالات اذ طلب احد الأقسام حاسبات لا بتوب وفق قياسات عالية الجودة وطلب المهندس المختص ان نذهب الى محل متخصص في مجال الحسابات وان نشترى منه تحديداً وعند وصولنا الى المحل على الفور تم تجهيزنا بالمواد مع تقديم ثلاثة عروض مختلفة وتم التفاوض على ( المقسوم ) وهذا كلة بعلم الجميع .
ترميم و تغيير أثاث المكتب بعد تغيير المدير العام
في وزارة الصحة احدى وزارات الدولة قامت لجنة المشتريات بتغيير وترميم مكتب المدير العام مباشرة . ابو سجاد وهو موظف في الوزارة كشف لـ ( المدى ) أن أكثر من عشرة مكاتب للمدراء العامين تم اجراء الترميم لها بعد ان تتم تسمية مدير عام جديد مستذكراً أن مكتب مدير عام شركة كيماديا تم تأثيثه مرتين ومكتب المدير العام ودائرة التخطيط والان العمل جار لترميم وتأثيث مكتب المستشار الدوائي والعمل مستمر على مدار العام . ابو سجاد أقسم ان جميع الموجودات في تلك المكاتب هي بأحسن الأحول ولكن هذا هو الواقع .
للضرورة الأمنية 
في حين يرى سلمان رأيا اخر في عملية ترميم مكاتب المدراء العامين الذين يتم تغييرهم لاعتبارات أمنية منها احتمالية وجود كاميرات مخبأة أو أجهزة تسجيل أو يتم التنصت على حديث وقرارات المدير العام والاستماع لجميع ما يجرى من مداولات أوغيرها من الأمور .
سلمان أوضح أن جميع هذه الإجراءات تصب في مصلحة لجان المشتريات وهذا معروف للجميع وليس قضية غامضة .
الرقابة المالية : سجلنا جميع الأخطاء 
ديوان الرقابة المالية الاتحادي ، وضمن دائرة التدقيق والمتابعة اصدر تقريره السنوي لعام 2013 وطلعت المدى عليه وابدى جميع الملاحظات الخاصة لعمل الوزارات خصوصاً في مجال العمل في تطبيق الأنظمة والتعليمات الخاصة بالية الصرف والتجاوزات الحاصلة بذلك كذلك الأداء الفعلي لكل وزارة . في حين أشار التقرير الى ان وزارة التربية وبالرغم من انتهاء المدة القانونية للمشاريع المتعاقدة عليها من قبل وزارة التربية الا انها لم تنجز التقرير حتى إعداد التقرير الخاص بدائرة الرقابة والتدقيق بالإضافة الى وجود تلكؤ في إنجاز البعض الاخر .
التقرير أشار الى استمرار بعض الدوائر بالقيام بصرف مبالغ من تخصيصات الموازنة الاستثمارية لأغراض الإنفاق دون توفر الاعتماد المالي اللازم والتدني بالصرف على بعض التخصيصات المعتمدة . كما أظهر التقرير أن وزارة الصناعة والمعادن والخاص بأداء نشاطها لعام 2012 وجود عجز مالي لأغلب الشركات وهذا العجز اساساً مسجل منذ الأعوام السابقة . 
لماذا كرم الملك فيصل موظف المالية 
الخبير الاقتصادي عبد العزيز حسون بين لـ (المدى ) أن التعليمات الخاصة بلجنة المشتريات وعملها محدد وفق ضوابط وتعليمات وهناك نظام محاسبي يعمل به منذ الثلاثينات اذ لا يجوز للجنة ان تمنح الصلاحيات بل هناك محددات لها اذ لا يجوز الشراء المباشر لمبلغ يزيد عن الصلاحيات منها تقديم عروض او غيرها . 
الحسون أوضح أن المشكلة الحقيقية الآن هي عدم وجود نظام صارم يحدد الصلاحيات والعمل لاسيما ان الموظف اصبح في موضوع اتهام مستمر من قبل الجميع ولهذا يرفض العديد من الموظفين ان يكونوا اعضاء في لجنة الصرف بسبب الوضع المتردي فى دوائر الدولة .
الحسون روى حكاية تشير الى مدى احترام القانون والموظف أنداك . اذ الملك فيصل قام بزيارة الى سويسرا برفقة عدد من الوزراء والمرافقين وغيرهم وجميعهم صدر بحقهم امر بالإيفاد وأثناء وجود الملك في سويسرا حضر اثنان من السوريين طالبين المساعدة فامر الملك استضافتهم فى الفندق وأثناء عودة الوفد الى بغداد قام المحاسب بتقديم قوائم الحساب فرفض الموظف المختص في وزارة المالية احتساب ضيافة السوريين على نفقة الدولة لاعتبار عدم وجود امر بذلك وأثير جدل ما بين وزارة المالية ودائرة خزانة الملك ووصل الأمر الى الملك اذ امر الملك باستدعاء الموظف المختص رؤوف البحراني وسأله عن سبب عدم صرف مبالغ الضيافة التي امر بها . فأجاب الموظف أن التعليمات تجيز الصرف الى المذكورين في امر الإيفاد وفي حال صرفنا لمبلغ فهذا مخالف فامر الملك بمكافاة الموظف بدرجتي قدم وهذا ما مسموح به ايضاً وفق القانون .
تشكيل لجنة لمراجعة التصرف بالمال العام 
سعدون حسين ، مدير حسابات اقدم في وزارة الصحة بين لـ ( المدى ) أن ما يحدث من عمليات نهب وسرقة وهدر في المال العام من خلال لجان المشتريات في دوائر الدولة قائلا : لا شك ان ما يحدث من نهب وسرقة وهدر في المال العام من خلال لجان المشتريات يعد من اسوأ صور إهدار المال العام، والمعلوم بان القواعد والتعليمات المعمول بها حاليا في تشكيل لجان المشتريات وتنظيم العمل بها غير معنية في سد مداخل ومخارج الفساد الاداري والمالي، فلا بد من وضع قواعد قانونية محكمة تنظم عمل هذه اللجان وتحد من عمليات الفساد فيها. فلجان المشتريات اليوم تنهب وتسرق المال العام بوسائل يعرفها الجميع، في حين لا توجد أية رقابة حقيقية على عمل تلك اللجان.
سعدون دعا الى تشكيل لجنة من القانونيين والمختصين لدراسة آلية العمل في تلك اللجان. ووضع قانون يحكم عملها ويؤمن سد جميع الثغرات التي ينفذ منها الفاسدون لسرقة المال العام.
كما اقترح ان ينص القانون على تشكيل لجنة لمراجعة سلامة التصرف بالمال العام من قبل لجان المشتريات في كل حالة شراء على ان يتم تشكيل تلك اللجان بعد اكتمال عملية الشراء من قبل لجنة المشتريات لمراجعة سلامة اجراءاتها وحفاظها على المال العام.
المدى
محرر الموقع : 2014 - 08 - 20