ما أكثر النّصائح وأقلّ المنتصحين!
    

إنَّ الإنسان المؤمن المتوكّل على الله في أموره كلّها، لا بدّ وأن يكون شجاعاً يمتلك الجرأة والحكمة، فلا يمكِّن عدوّه منه ولو للحظة واحدة، والّذي لا يمتلك هذه الشّجاعة، يكون في غاية العجز والضّعف، حيث يصبح لقمة بفم الأقوياء، لا يحسبون حساب حقوقه وكرامته ووجوده.

وحقّ الإمام(ع) والأنبياء والأولياء علينا، أن نتَّبع سيرتهم، ونهتدي بهديهم، ونعرف ما لهم من ولاءٍ وبيعةٍ في أعناقنا، هذا الحقّ الّذي يدعونا دوماً أن نكون من رجالهم الفعليّين، بمعنى أن نكون كما أراد الله تعالى، رجال الحقّ والاستقامة والأخلاق، رجال الطّاعة لله في كلّ ساحات الحياة، بحيث نلتزم حساب الله تعالى في كلّ صغيرة وكبيرة. لم يرِدْ الأئمّة أن نحبّهم ونطيعهم لشخوصهم، بل بما يمثّلونه من خطّ الإسلام الأصيل، وبما مثّلوه من موقعيّة أبرزت مفاهيم الإسلام المتحركة في الحياة.

وحقّ الرعيّة على الإمام، أن يعلّمها وينير دربها بالهداية، ويدفعها إلى الاقتداء بسيرته العمليّة التي تجسّد كلّ روح الدين، وكلّ الطاعة لله، وكلّ الكمال في السير إليه، عبر فتح نوافذ العقل على الحقّ والحقيقة، وفتح نوافذ القلب والشّعور على المحبّة والخير والرّحمة.

من هنا، علينا أن نرتفع إلى مستوى المسؤوليّة، وأن نعرف أين نحن في طريق تمثّل سيرة أئمّتنا وأنبيائنا، وهل فعلاً استفدنا من نصحهم لنا، وما تركوه من إرث إسلاميّ وإنسانيّ وحضاريّ خالد؟!

سؤال علينا أن نجيب عليه، وأن نطرحه على أنفسنا في كلّ الأوقات والأحوال، كي نظلّ في حالة تأهّبٍ واستنفارٍ للعودة الفاعلة إلى الله تعالى، وإلى ما بذله أنبياؤه وأولياؤه من تضحيات ومواعظ ونصائح نستلهمها، كي نعالج مشاكلنا، ونتغلّب على تعقيداتنا وأنانيّاتنا وحساباتنا الضيّقة.

يقول أمير المؤمنين عليّ(ع) في إحدى خطبه المباركة: "وأيمُ الله، إني لأظُنُّ بكم أن لو حَمِسَ الوغى، واستحرَّ الموتُ، قد انفرجتُم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس، والله إن امرأً يُمكِّن عدوّه من نفسه يعرُقُ لحمَهُ، ويهشِم عظمَهُ، ويفري جلدَهُ، لعظيمٌ عجزُهُ، ضعيفٌ ما ضُمَّتْ عليه جوانح صدره. أنتَ فكُن ذاك إن شئْت، فأمّا أنا، فوالله دون أن أعطي ذلك ضَرْبٌ بالمشرفيَّة تطيرُ منه فراشُ الهامِ، وتطيحُ السّواعد والأقدام، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء. أيّها النّاس، إنَّ لي عليكُم حقّاً ولكم عليَّ حقّ، فأمّا حقّكم عليَّ، فالنصيحة لكم، وتوفيرُ فيئِكُم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأمّا حقّي عليكم، فالوفاء بالبيعة، والنّصيحة في المشهدِ والمغيب، والإجابة حين أدعوكُم، والطّاعة حين آمركم".

فما أكثر النّصائح التي تركها الأنبياء والأولياء في أقوالهم وأفعالهم وسيرتهم وجهادهم، وما أقلّ من ينتصح ويعمل ويقتدي!.

فلنكن ممّن ينتصح ويجيب دعوة المصلحين والصّالحين، وينهض مطيعاً لأمر الله، ملتزماً حدوده في حياته الخاصّة والعامّة، غايته مرضاة الله والفوز بالقرب منه، ولن يكون ذلك إلا بالتّقوى والعمل الصّالح، والانتصاح ممّن كان أهلاً للنّصح والطّاعة والاقتداء.

إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

محرر الموقع : 2016 - 11 - 09