هل تقطع روسيا الإنترنت عن العالم؟
    

قبل اجتياح روسيا لاوكرانيا حذّر قائد القوات المسلحة البريطانية توني راداكين من أنّ نشاط الغواصات الروسية يهدد الكابلات الموجودة تحت الماء التي تعتبر أساسية لأنظمة الاتصالات في أنحاء العالم كافة. وشدّد راداكين على أنّ الكابلات البحرية التي تنقل بيانات الانترنت هي “نظام المعلومات الحقيقي في العالم”، وأضاف أنّ أيّ محاولة لإلحاق الضرر بها يمكن اعتبارها “عمل حرب”، وذلك في مقابلة مع صحيفة “ذا تايمز” البريطانية، هي الأولى منذ توليه منصبه، في يناير/ كانون الثاني الماضي.

في المقابلة نفسها، لفت راداكين إلى “زيادة استثنائية” في أنشطة الغواصات الروسية خلال الأعوام العشرين الماضية، محذراً من أنّ موسكو “يمكن أن تُعرّض للخطر، أو تستغل نظام المعلومات الحقيقي، وهو الكابلات البحرية التي تمتد في أنحاء العالم كافة”.

ما الذي كان يتحدث عنه قائد القوات المسلحة البريطانية إذاً؟ وسط الغزو الروسي لاوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير/ شباط الماضي، تخوف كثيرون من إقدام موسكو على تعطيل حركة الإنترنت بالكامل ــ ما لم يحصل إلى الآن ــ عبر قطع كابل الاتصال الرئيسي، وهو كابل مضيق كيرتش الذي ينقل معظم حركة الإنترنت العالمية إلى أوكرانيا. في حال أقدمت على هذه الخطوة، فإنّها ستقطع أيضاً الاتصال بالإنترنت في شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014.

مع ذلك، إذا اشتدت المواجهة أكثر في أوكرانيا، فقد يحسب الكرملين أنّ مثل هذه الخطوة تستحق المخاطرة إذا أمكن دمجها مع إجراءات أخرى لتعطيل اتصالات الإنترنت في بقية البلاد أيضاً. في هذا السيناريو، قد تتعرض الأصول العسكرية والاستخباراتية الروسية في شبه جزيرة القرم إلى تعطيل الوصول إلى الإنترنت، ما قد يعطي أوكرانيا سبباً لاستهداف تلك البنية التحتية، وفقاً لتقرير نشره “المجلس الأطلسي” أخيراً، وهو مركز أبحاث مقره العاصمة الأميركية واشنطن.

وأشار تقرير “المجلس الأطلسي” إلى أن الجيش الروسي يمكنه أيضاً قطع الكهرباء أو قطع الاتصالات عن مجموعة من مرافق مزودي خدمة الإنترنت داخل أوكرانيا التي تنقل خوادمها حركة مرور الإنترنت داخل البلاد، وكذلك على مستوى العالم. ووفقاً لما صرّح به معدّ التقرير جاستن شيرمان، فإن ذلك “يمكن أن يتسبب في حالة من الذعر في باقي أنحاء أوكرانيا، ويحدّ من رؤية المجتمع الدولي لمزيد من الإجراءات الروسية”.

تنقل حركة الإنترنت الأوكرانية أيضاً عبر الكابلات الأرضية، مثل الألياف الضوئية وخطوط الاتصال عبر الحدود. يمكن للجيش الروسي إتلاف، أو حجزها كرهينة، أو قطع الطاقة عن مرافق مزود خدمة الإنترنت التي توفر حركة مرور الإنترنت للمستخدمين، ونقاط تبادل الإنترنت التي يقوم من خلالها كبار مزودي الشبكات بتوصيل شبكاتهم وتبادل حركة المرور.

تنقل هذه المكونات المادية في أوكرانيا حركة مرور عالمية على الإنترنت، لذا فإن تعطيلها سيؤثر على المجال الدولي، ولكن أسوأ الآثار ستظهر داخل البلد، لأن هذه المكونات تنقل حركة المرور إلى الأوكرانيين في المقام الأول.

في السيناريو الأكثر ضرراً على مستوى العالم، يمكن للجيش الروسي أن يستهدف أياً من عشرات الكابلات البحرية التي تربط أجزاء أخرى من أوروبا بالإنترنت العالمي، والتي بالتبعية قد تنقل حركة المرور الصادرة من أوكرانيا والمتجهة إليها. على سبيل المثال، هناك 16 كابلاً بحرياً تلامس أيرلندا، وقد يؤدي قطع بعض هذه الكابلات إلى تعطيل تدفق حركة الانترنت العالمية، وقد يستغرق إصلاحها ساعات أو حتى أياماً. كما يمكن أن يصرف ذلك انتباه تلك البلدان إلى حد كبير عن الأحداث العالمية الأخرى.

لكنّ هذه التحذيرات كلها ليست جديدة. فعام 2018، حذر أيضاً الجيش البريطاني من أن روسيا قد تقدم على قطع كابلات الاتصالات الحيوية في البحر، بعدما رصد تحركات سفينة التجسس الروسية “يانتار”.

دشنت “يانتار” عام 2015 على أنّها سفينة تعنى بالأبحاث، لكنها أثارت قلقاً بسبب ملازمتها مواقع قريبة من كابلات الاتصالات البحرية الرئيسية. وتشتبه بعض الدول الغربية في ضلوع “يانتار” في عمليات تجسس، عن طريق وضع أجهزة تنصت على الكابلات البحرية، خاصة أنها تضم أنظمة مختلفة، منها نشر غواصات الغطس العميقة، وأنظمة متخصصة بإمكانية الوصول إلى أي كابل اتصالات موجود في المحيطات والبحار.

وكان الإعلام الأميركي قد ذكر منذ عام 2015، تاريخ تدشين “يانتار”، أن واشنطن متخوفة من سفن روسية ربما يكون لها الأفضلية بقطع الولايات المتحدة عن العالم في حال وصولها إلى كابلات الاتصالات والإنترنت البحرية. وأفادت صحيفة “نيويورك تايمز” حينها بأنّ المسؤولين الاستخباراتيين في الولايات المتحدة يراقبون بقلق النشاط الروسي المتزايد على طول مسار الكابلات البحرية التي تحمل شريان الحياة للاتصالات الإلكترونية والتجارة العالمية. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي رفيع حينها قوله إنّ “مستوى النشاط يمكن مقارنته بما شهدناه خلال الحرب الباردة”. وهذه الحركة أثارت قلقاً شديداً لدى النرويج، لدرجة دفعتها إلى طلب المساعدة من جيرانها لتعقب الغواصات الروسية.

لكن، لماذا لم تقطع روسيا الإنترنت عن أوكرانيا إلى الآن؟ خبراء الأمن السيبراني والأمن القومي يعتقدون أنّ لدى روسيا ثلاثة أسباب وجيهة للامتناع عن تعطيل شبكات الهاتف والبيانات: يمكن لأجهزة الاستخبارات الروسية التنصت على المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني وجمع بيانات تحديد الموقع الجغرافي وغيرها من البيانات الوصفية، كما يستخدم الجيش الروسي الشبكات الأوكرانية في التواصل، ولا تريد القوات الروسية تدمير البنية التحتية التي ستحتاجها إذا نجحت في احتلال أوكرانيا.

*العربي الجديد

محرر الموقع : 2022 - 03 - 14