سلسلة من كتاب : كيف تصبح غنيا ثريا ؟ / الدمستاني
    

مقدمة / الرزق و السعة

 

04 السعي لطلب الرزق و العمل

 

قال الله تعالى : ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)[1] ، و قال تعالى : ( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه )[2]. و ( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله )[3]. فلابد للعبد من العمل لاستحصال الرزق الذي هو يعيش أساسا في بحبوحته منذ عوالمه الأولى و قبل الخروج إلى الوجود الخارج المستقل من رحم أمه ، و لا يتكل على الأحراز و الأذكار وحدها ، و لا أن يكون جليس الدار و يقول سيأتيني رزقي كما سيأتيني موتي ، فالأرزاق تحتاج إلى مقدمات عمل و جد و كدح و اجتهاد كما يحتاج إلى توفيقات و بركات ، و في الرواية عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام : فعليكم بالجد و الاجتهاد و اذا صليتم الصبح فانصرفتم فبكروا فى طلب الرزق و اطلبوا الحلال فان الله سيرزقكم و يعينكم عليه[4].

و في أخبارهم عليهم السلام توبيخ للمتقاعس عن العمل ، قال الإمام أبو جعفر عليه السلام : انّى أجدني أمقت الرجل يتعذر عليه المكاسب فيستلقى على قفاه ويقول اللهم ارزقني و يدع ان ينتشر في الأرض ويلتمس من فضل الله والذرة تخرج من جحرها تلتمس رزقها[5].

و في رواية الإمام الصادق عليه السلام بيان لأهمية طلب الرزق في أحلك الظروف و أصعب الأزمنة ، فقد قال عليه السلام : يا هشام إن رأيت الصفين قد التقيا فلا تدع طلب الرزق في ذلك اليوم[6]. و في رواية أخرى قال عليه السلام : إن ظننت أو بلغك أن هذا الامر كائن في غد ، فلا تدعن طلب الرزق ، وإن استطعت أن لا تكون كلا فافعل[7].

و قال أمير المؤمنين عليه السلام : لا تلم إنسانا يطلب قوته ، فمن عدم قوته كثر خطاياه[8].

كما أنّ العمل مقدم على الدعاء ، و لا يدع الانسان دون عمل ، و في الرواية عن كليب الصيداوي قال ، قلت لأبي عبد الله عليه السلام ادع الله لي في الرزق فقد التاثت علي أموري ، فأجابني مسرعا ، لا اخرج فاطلب[9]. و في رواية قريبة قال الراوي : كنا جلوسا عند أبي عبد الله عليه السلام إذ اقبل العلاء بن كامل فجلس قدام أبي عبد الله عليه السلام فقال ادع الله ان يرزقني في دعة فقال لا ادعو لك اطلب كما امرك الله عز وجل[10]. و قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( الدنيا دول فاطلب حظك منها)[11].

وفي كثير من أحاديثهم عليهم السلام ما يدل على أن من ترك طلب الرزق فدعا الله تعالى ان يرزقه لا يستجيب دعاءه و في كتب الحديث باب في معنى  عدم جواز ترك الدنيا التي لا بد منها للآخرة ، و ورد في باب من لا يستجاب دعاؤه من أبواب الدعاء قول الإمام الصادق عليه السلام أربعة لا تستجاب لهم دعوة : رجل جالس في بيته يقول : اللهم ارزقني فيقال له : ألم آمرك بالطلب ، و رجل كانت له امرأة فدعا عليها فيقال له : ألم أجعل أمرها إليك ، و رجل كان له مال فأفسده فيقول : اللهم ارزقني ، فيقال له : ألم آمرك بالاقتصاد ، ألم آمرك بالاصلاح ، ثم قال : (و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)[12] ، و رجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة فيقال له : ألم آمرك بالشهادة[13]. و وردت روايات أخرى بأصناف من الناس لا يستجاب لهم كرجل يدعو على والديه و رجل يدعو في قطيعة رحم[14].

قال الراوي : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ما فعل عمر بن مسلم؟ قلت : جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة فقال : ويحه أما علم أن تارك الطلب لا يستجاب له ، إن قوما من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما نزلت ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)[15] أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا : قد كفينا فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأرسل إليهم ، فقال : ما حملكم على ما صنعتم ؟ قالوا : يا رسول الله تكفل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة ، فقال : إنه من فعل ذلك لم يستجب له ، عليكم بالطلب[16].

و عن أبان عن العلاء قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول أيعجز أحدكم ان يكون مثل النملة فان النملة تجر إلى جحرها[17].

و رفع الشارع المقدس الكاد على عياله إلى مرتبة رفيعة فاعتبره كالمجاهد كما في حديث رسول الله فقال صلى الله عليه وآله وسلم : (الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله)[18].

و روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم  : (الشاخص في طلب الرزق الحلال ، كالمجاهد في سبيل الله)[19].

و يوضّح الإمام الرضا عليه السلام  ذلك في الرواية فيجعل مسؤولية الكاد على عياله مسؤولية المجتمع بأسره متمثلة بالإمام كما المجاهد فقال عليه السلام : ( من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على عياله ونفسه كان كالمجاهد في سبيل الله عز وجل ، فإن غلب عليه فليستدن على الله عز وجل وعلى رسوله ما يقوت به عياله ، فإن مات ولم يقضه ، كان على الإمام قضاؤه ، فإن لم يقضه ، كان عليه وزره ، إن الله تعالى يقول : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين )[20] فهو فقير مسكين مغرم)[21].

و رويت في هذا الباب عدة روايات بهذا المعنى و بالتشبيه بالمجاهد و أهمية الكاد و الكادح على عياله ، و أنّ من ضيع من يعول فهو آثم ، فعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : ومن سعى في نفقة عياله ووالديه فهو كالمجاهد في سبيل الله[22].

و في فقه الرضا عليه السلام : واعلم أن نفقتك على نفسك وعيالك صدقة و الكاد على عياله من حل كالمجاهد في سبيل الله[23].

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا كان الرجل معسرا فيعمل بقدر ما يقوت به نفسه وأهله و لا يطلب حراما فهو كالمجاهد في سبيل الله[24].

و عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  : و أيّ رجل أعظم اجرا  من رجل سعى على عياله صغارا  يعفهم ويغنيهم الله به[25].

و عن أبي جعفر عليه السلام : من طلب الرزق في الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على أهله وتعطفا على جاره لقي الله عز وجل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر[26].

كما أنّ الهموم في طلب المعيشة من كفارات الذنوب فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  أنه قال إنّ من الذنوب ذنوبا لا يكفرها صلاة و لا صوم ، قيل يا رسول الله فما يكفرها؟ قال الهموم في طلب المعيشة[27].

و من الروايات يتضح حرص أهل البيت عليهم السلام للعمل و تحمل مشاقه و هم عليهم السلام نموذج الاقتداء للعبد المسلم ، فعن عبد الأعلى مولى آل سام قال : استقبلت أبا عبد الله ( عليه السلام ) في بعض طرق المدينة في يوم صايف شديد الحر فقلت : جعلت فداك حالك عند الله عز وجل وقرابتك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) و أنت تجهد لنفسك في مثل هذا اليوم ؟ فقال : يا عبد الأعلى خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك[28].

و روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن محمد بن المنكدر كان يقول : ما كنت أرى أن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) يدع خلفا أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي ( عليهما السلام ) فأردت أن أعظه فوعظني فقال له أصحابه : بأي شئ وعظك؟ قال : خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني أبو جعفر محمد بن علي وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين فقلت في نفسي : سبحان الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أما لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي السلام بنهر وهو يتصاب عرقا، فقلت : أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحال ما كنت تصنع ؟ فقال : لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عز وجل ، أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس وإنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله ، فقلت : صدقت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني[29].

و قال الراوي : رأيت أبا الحسن ( عليه السلام ) يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق فقلت له : جعلت فداك اين الرجال ؟ فقال : يا علي قد عمل باليد من هو خير مني في أرضه ومن أبي ، فقلت له : ومن هو فقال : رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأمير المؤمنين وآبائي ( عليهم السلام ) كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين[30].

و عن الشيباني قال : رأيت أبا عبد الله ( عليه السلام ) وبيده مسحاة وعليه ازار غليظ يعمل في حائط له والعرق يتصاب عن ظهره فقلت : جعلت فداك أعطني أكفك فقال لي : إني أحب أن يتأذى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة[31].

و عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : إني لأعمل في بعض ضياعي حتى أعرق وإن لي من يكفيني ليعلم الله عز وجل إني أطلب الرزق الحلال[32].

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ملعون ملعون من ألقى كله على الناس ، ملعون ملعون من ضيع من يعول[33].

و عن سدير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ( أي شئ على الرجل في طلب الرزق؟ قال : إذا فتحت بابك وبسطت بساطك ، فقد قضيت ما عليك)[34]. و المعنى أنّه ينبغي على العبد السعي و تهيئة المقدمات و الرزق من الله الرزّاق الكريم.

و من سعادة المرء أن يجعل رزقه على أيدي خيار خلقه فقد قال أبو عبيدة للإمام الصادق عليه السلام : ادع الله لي أن لا يجعل رزقي على أيدي العباد ، فقال عليه السلام : أبى الله عليك ذلك إلا أن يجعل أرزاق العباد بعضهم من بعض ، ولكن أدع الله أن يجعل رزقك على أيدي خيار خلقه ، فإنه من السعادة ، ولا يجعله على أيدي شرار خلقه ، فإنه من الشقاوة[35] .

 



[1] - سورة الجمعة ، آية 10

[2]-  سورة الملك ، آية 15

[3] -  سورة المزمل ، آية 22

[4] -  وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 17 - ص 22

[5] - من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج 3 - ص 158

[6] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 78  ، التهذيب 6 : 324 / 892 .

[7] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 79، وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 17 - ص 26

[8] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 69 - ص 47

[9] -  الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 79 ،  وسائل الشيعة (الإسلامية) - الحر العاملي - ج 12 - ص 11

[10]  -  الأمالي - الشيخ الطوسي - ص 193 ، جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 17 - ص 10

[11] -  الخصال - الشيخ الصدوق - ص 633 ، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 10 - ص 111

[12] - سورة الفرقان ، آية 67

[13] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 511

[14] -  موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) - الشيخ هادي النجفي - ج 4 –  ص 176

[15] - سورة الطلاق ، آية 2، 3

[16] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 84

[17] -  الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 79، وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج 17 - ص 22

[18]- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - ص 1074

[19]- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 100 - ص 17 ، مستدرك الوسائل - الميرزا النوري - ج 13 - ص 12

[20]- سورة التوبة ، آية 60 .

[21] -  تذكرة الفقهاء (ط.ج) - العلامة الحلي - ج 13 - ص 8

[22]- جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 17 - ص 12

[23]- جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 17 - ص 12

[24]- جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 17 - ص 12

[25]- جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 17 - ص 13

[26] -  الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 78 ، التحفة السنية (مخطوط) - السيد عبد الله الجزائري - ص 227

[27] - جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 17 - ص 11

[28] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 74

[29] - تهذيب الأحكام - الشيخ الطوسي - ج 6 - ص 325 ، الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 73 ، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) - الشيخ هادي النجفي - ج 4 - ص 179

[30] -  موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) - الشيخ هادي النجفي - ج 4 - ص 179

[31] - موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) - الشيخ هادي النجفي - ج 4 - ص 179

[32] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 77

[33] - جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 17 - ص 14

[34] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 5 - ص 79 ، الوسائل ج 12 ص  ، 34 ، ا لحدائق الناضرة - المحقق البحراني - ج 18 - ص 6

[35]- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 75 - ص 244 ، موسوعة أحاديث أهل البيت (ع) - الشيخ هادي النجفي - ج 5 - ص 397 ، ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - ص 1068

 

محرر الموقع : 2019 - 12 - 12