الأسر الداعشية.. إشكالية مركبة تظهر انعكاسات مجتمعية وإنسانية
    

الأسر الداعشية إشكالية مركبة تحمل في طياتها انعكاسات لها تاثيرها على جوانب عدة منها المجتمعية والإنسانية وكذلك تحقيق التنمية والسلام.

اذ لم تزل عودة الأسر الداعشية من المخيمات والعمل على اندماجها مجدداً ضمن نسيج المجتمع العراقي من أخطر مخلفات عصابات داعش الإرهابية، الأمر الذي يتطلب تعاضد القوى السياسية والعشائرية، فضلا عن المنظمات الدولية في المساعدة على خلق الحلول والخوض في أتون هذا الإشكالية المركبة .

(الصباح)، رافقت في محافظة الأنبار مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة ومديرة مكتب الأزمات التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أساكو أوكاي والوفد المرافق لها الذي ضمّ القائم بالأعمال المؤقت في السفارة اليابانية في العراق ماساموتو كينئيتشي والممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق أوكي لوتسما، للوقوف على المراحل الشاقة في معالجة عودة الأسر النازحة، والخطط الموضوعة لدمج الأسر الداعشية في مجتمعاتهم والتعرف على أهم العوائق التي تحول دون تحقيق هذا الهدف.

قائممقامية الحبانية

لم تكن الشوارع المعبدة في الأنبار بشكل جميل والتي تشبه طرقات المدن الناهضة بالعمران، والأبنية العالية والمنسقة تخلو من الرغبة الحقيقية في المجتمع العراقي في الكفاح المستمر لمعالجة أدران الفكر المتطرف الذي رافق تلك الأسر من مخيم “الهول” ومحاولة التخلص منه عبر استيعابهم في المجتمع ثانية وإشاعة مفاهيم التسامح والمغفرة لمن لم تلطخ يداه بالدم العراقي.

قائممقام قضاء الحبانية علي داود سليمان كان أول المستقبلين للوفد بصحبة أعضاء مجلس السلام المتكون من أعيان المنطقة من رؤساء عشائر وشخصيات دينية واجتماعية بارزة، أجمعت الآراء على نجاح إعادة الأسر النازحة ودمجها بالمجتمع رغم العوائق الصعبة التي تواجههم ومن أهمها إعادة بناء المنازل المدمرة جراء عمليات التحرير.

وأكد سليمان أن عملنا تركز على معاقبة المسيء من الرجال حصراً، بينما تمت إعادة الأطفال والنساء بشكل فوري إلى مناطق سكناهم بعد فرض القانون ومحاسبة من يحاول أن يكسره،

مشددا ًعلى نجاح مكتب إدارة الأزمات الذي أنشئ في القضاء والمسؤول عن فتح مراكز للتأهيل النفسي للنازحين، بغية عودتهم إلى المجتمع وهذا ما ساعد القضاء على الاستقرار أمنياً واجتماعياً.

ضرورة إعادة النازحين

وقدم أعضاء مجلس السلام بعض المقترحات التي من شأنها تعزيز السلام وتحقيق التكامل المجتمعي في القضاء، وأهمها تعويض المتضررين وإعادة رواتب ضحايا الإرهاب ودعم الزراعة التي تعتمد عليها المنطقة ومعالجة شحّ المياه ودعم الجانب التعليمي.

من جانبها، وعدت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة ومديرة مكتب الأزمات التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أساكو أوكاي بالمضي قدماً على إعادة النازحين.

مؤكدة أن التعافي في العراق يعتمد على عودة النازحين إلى ديارهم، والعراق من المناطق التي استفاد منها المكتب في استخلاص الدروس، متعهدة  باستمرار المنظمة بدعم الاستقرار المجتمعي فيه.

بينما نوه القائم بالأعمال المؤقت ماساموتو كينئيتشي  إلى استمرار مساعدة الحكومة اليابانية للعراق من أجل تسهيل إعادة إعمار البنى التحتية وخاصة في المناطق المحررة،

مؤكداً أن اليابان قدمت الكثير من المنح والقروض الميسرة لإنشاء المشاريع الخدمية المهمة في العراق.

وأشاد ماساموتو كينئيتشي بالتطور العمراني في الرمادي قائلاً: أنا فخور بما قدمتموه واليابان تدعم كل الجهود الخيرة، خصوصاً في المناطق المحررة.

مراكز التأهيل

انطلق الوفد إلى مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار للوقوف على أكبر مركز لتأهيل العاطلين والنازحين في المنطقة والذي تم إنشاؤه بمساعدة الحكومة العراقية والمنظمات الدولية وبعض الدول الغربية، قبل أن يستقر به المطاف في مبنى المحافظة.

واستضاف نائب محافظ الأنبار للشؤون الإدارية جاسم محمد الحلبوسي الوفد مرحباً بكل الجهود الخيرة التي تبذل من أجل إعادة النازحين إلى مناطقهم.

ولفت الحلبوسي إلى ضرورة توسيع التعاون مع المنظمة الدولية من أجل تحقيق المصالحة ومحاربة التطرف وإعادة الاستقرار من خلال التنمية والحوكمة الالكترونية.

وذكر الحلبوسي أن حكومة محافظة الأنبار شرعت في استحداث منصب معاون المحافظ لشؤون التنمية بغية ضمان استمرار عملية البناء والإعمار في المحافظة، وتوفير فرص العمل للعاطلين والتركيز على الاقتصاد الأخضر، فضلاً عن إنشاء حاضنات المبتكرين ورجال الأعمال والاهتمام بنظامي الصحة والتعليم.

بينما شددت أوكاي على أن من بين العديد من الأسر النازحة، يوجد أفراد يحملون وصمة تجعل عودتهم إلى ديارهم أكثر صعوبة، هؤلاء هم زوجات وأبناء وبنات وأمهات وآباء أولئك الذين انضموا إلى داعش، وكذلك أولئك الذين يُشتبه بانتمائهم إلى داعش، إن عدم إعادة دمجهم في المجتمع لا يترك الأسر في مواجهة المصاعب فحسب، بل يعيق فرص السلام والتنمية في البلاد. من خلال دعم عمليات العودة يمكن إزالة العوامل التي تدفع الأفراد للانضمام إلى الجماعات المتطرفة.

جروح لم تلتئم بعد

ورحب القائم بالأعمال المؤقت ماساموتو كينئيتشي بالجهود التي تبذلها حكومة الأنبار في تعزيز أواصر السلام.

منوهاً بأن حكومة اليابان سوف ترسل حاضنات إلى مستشفى القائم، ومن المرجح وصولها خلال شهر آب الحالي، وهذا جزء من الدعم الياباني المستمر للمناطق المحررة.

وتطرق الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق أوكي لوتسما، إلى أنه لا يمكن تمهيد الطريق إلى التنمية المستدامة والنمو المستمر في العراق بانقسامات مجتمعية أو جروح لم تلتئم بعد، إن إعادة دمج الأسر التي يُعتقد بانتماء أحد أفرادها إلى داعش ليست مسألة استعادة كرامة وأمن الأفراد فحسب، وإنما هي مسألة تتعلق أيضاً بشكل مباشر بسد الانقسامات التي يزدهر بسببها التطرف.

وتابع: وإيماناً منّا بهذا، نلتزم في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بدعم كل الجهود المبذولة في العراق في هذا الصدد.

غياب التعليم والخدمات الاجتماعية

ويكافح عدد كبير من أطفال الأسر الموصومة بالارتباط بداعش للحصول على التعليم.

ويواجه عدد كبير من النساء صعوبات في الحصول على العمل والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية الضرورية الأخرى، إن وجود هؤلاء الأشخاص داخل المخيمات يضعهم في احتمالية أكبر للتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة.

وأجرى الوفد الأممي بعض اللقاءات الجانبية بالنازحين وبعض الأسر الداعشية إذ تمت مناقشة أهم السبل الكفيلة بتوفير العودة المريحة للأسر وإيجاد صيغ حياتية تمهد لهم الاندماج في المجتمع وتحقيق الأمن والسلام.

وأشارت (م.ح) وهي إحدى النساء العائدات من مخيم الهول، إلى أن “فتح هذه المراكز ساعدنا كثيراً في تجاوز محنتنا، إذ انخرطت ضمن مشروع تعلم الخياطة، وكذلك منحنا المركز الشعور بالثقة بالنفس وهذا ما كنا في أشد الحاجة اليه”.

وأوضحت (ه.ج) أنها تعرضت وأطفالها لأيام قاسية وصعبة خلال وجودها بمخيم الهول، إذ حاولت الفرار لأكثر من مرة لكنها فشلت في ذلك.

مشددة على أنها بعد العودة اضطرت إلى البقاء داخل منزلها لمدة ثلاث سنوات بسبب نظرة المجتمع إلى الداعشيات وعدم قدرتها على مواجهة ذلك المجتمع.

مختتمة بالقول: “الدعم النفسي والمادي أخرجنا من عزلتنا ونحن الآن أفضل حالاً، وأدعو إلى مساعدة الأسر العراقية التي بقيت في المخيم وتنتظر العودة إلى مناطق سكناها”.

ويذكر أن “الهول” هو مخيم أمني بامتياز فيه ما يقارب الـ 7 آلاف أسرة عراقية وما يقارب هذا العدد من السوريين، وأكثر من 10 آلاف من الأجانب ويبعد عن الحدود العراقية 13 كيلومتراً وهو تابع للأمم المتحدة، واستقبلت الحكومة العراقية 9 دفعات عادت لمناطقها الأصلية.

إحصائيات

ويضم المخيم ما يتراوح بين 55 إلى 60 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، الذين نزحوا بسبب الحروب في العراق وسوريا والحرب ضد عصابات داعش، ونصفهم تقريباً من العراقيين وربعهم من السوريين، بينما يتم إيواء نحو 10 آلاف أجنبي في ملحق آمن، ولا يزال الكثيرون في المخيم من أشد المؤيدين لداعش.

حسب بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، فإن 90 بالمئة من ساكني مخيم الهول هم من النساء والأطفال.

يعود تاريخ إنشاء مخيم الهول لتسعينيات القرن الماضي، عندما أنشأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مخيماً على مشارف بلدة الهول شرق سوريا على مقربة من الحدود مع العراق، وبالتنسيق مع دمشق، لاستقبال آلاف النازحين واللاجئين العراقيين بعيد حرب الخليج الثانية، ويعد الآن أكبر مكان لاحتجاز الدواعش وأسرهم في العالم.

المصدر: الصباح

محرر الموقع : 2023 - 08 - 07