44 يومًا على عملية طوفان الأقصى.. فلسطين بلغة فلسطين؛ بقلم أبو الفضل فاتح
    

 

 

 

لقد مر 44 يوما على حادثة السابع من أكتوبر أي عملية طوفان الأقصى ومازالت غزة وفلسطين قضية العالم الأولى.

في ثلاثة مقالات مسهبة تم تسليط الضوء على أهداف حرب غزة وما تحيط بها من احتمالات.

وفي مقالنا هذا نلقي نظرة أولا على آخر ترتيبات الجانبين ميدانيا من ناحية تحقيق الأهداف، ومن ثم نلقي نظرة تحليلية على قضية غزة بنظرة فلسطينية.

إسرائيل الواقعة في شراك أهدافها المعقدة

وقد أعلنت إسرائيل ان أهداف هجومها الشامل على غزة، هي تهجير أهالي غزة إلى سيناء أو أجزاء أخرى من الدول العربية والأوروبية، والقضاء على حركة حماس، وإنهاء حكمها على غزة، واغتيال قياداتها إضافة إلى إطلاق سراح سجناء إسرائيل لدى الحركة.

إن الهجوم الكاسح على غزة يشكل واحدة من أعنف العمليات العسكرية في القرن المنصرم، إذ لا مثيل لحجم القصف الذي يتعرض له هذا الجزء الصغير من العالم. كما اُختبر العديد من الأسلحة واُنتهك قوانين الحرب في العالم برمتها.

وحتى لحظة كتابة هذه المقالة يمكن القول إن إسرائيل لم تحقق جل أهدافها المعلنة ما عدى ارتكاب المجازر بحق أهالي غزة وتدمير المباني والأماكن، ووقعت في شراك طموحاتها المعقدة. بمعنى أن أهل غزة لم يهاجروا، ولم يتم القضاء على حماس أو الإطاحة بها، ولم يتم اغتيال قادتها، ولم يتم أسر السجناء الإسرائيليين. ولم يتم أسر أي مقاتل فلسطيني أو حتى العثور على جثة شهيد فلسطيني، ولم يقبل العالم إعلان حماس كمنظمة إرهابية.

ارتكاب جرائم حرب

إلا أن صورة إسرائيل تضررت بشدة لدى الرأي العام العالمي بسبب ارتكاب المجازر بحق المدنيين وشن الهجمات على المراكز المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس. إلى درجة حذر فيه مسئولو الأمم المتحدة مرارا وتكرارا من انتهاك القوانين الدولية وارتكاب جرائم الحرب، وقاموا بإدانتها، حتى أن بعض حلفاء إسرائيل الأوروبيين، الذين يعتبرون عملية 7 أكتوبر إرهابية، أعلنوا أن جريمة لا تبرر جريمة كبرى! ولا تستطيع إسرائيل أن تسلب حق سكان غزة في تنفس الهواء الطلق!

بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الدعم الهائل الذي قدمته الولايات المتحدة، بحسب تقرير فايننشال تايمز، فإن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن حرب 44 يوما، أجبرت إسرائيل على اقتراض ما لا يقل عن ستة مليارات دولار.

وضع ليس من السهل على إسرائيل احتماله لفترة طويلة. إذ يعتقد العديد من مؤيدي إسرائيل أن الأهداف الأصغر والقابلة للتحقيق قد تصدرت الأولويات على حساب الأهداف الأكبر والمكلفة لكلا الجانبين. بحيث عبرت الولايات المتحدة نفسها عدة مرات، على الأقل ظاهريا، عن خطأ الاستراتيجيات والمحاسبات الإسرائيلية، بما في ذلك إعادة احتلال غزة، وحاولت أن تنأى بنفسها عنها.

الأهداف الفلسطينية ودائرة خدمة العرب وخيانتهم

يبدو ان تصدر القضية الفلسطينية القضايا العالمية، وإنهاء الهجوم على المسجد الأقصى وتأجيل مفاوضات السلام والتطبيع والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون إسرائيل وتدمير هيبة إسرائيل وأخيرا إرغامها على إجراء المفاوضات والاتفاق طويل الأمد الذي يوفر الاستقرار ويرفع الحصار عن غزة، تعد من أهداف الفلسطينيين.

وحتى اللحظة أبدى الشعب الفلسطيني مقاومة كبيرة، مقاومة تجد مدلولها ومفهومها الحقيقي، بالنظر إلى حجم الاعتداءات الإسرائيلية والمساحة الصغيرة والمحاصرة لغزة وعدم تكافؤ الإمكانيات العسكرية والقدرة الأمنية والداعمين الدوليين سياسيا واقتصاديا وإعلاميا.

وبناء على ما فات يبدو أن القضية المحورية هي قضية الأسرى. إذا لم تنجح إسرائيل في إطلاق سراح أسراها، فسوف تضطر عاجلا أم آجلا أن تقبل المفاوضات مع حماس، وأن ترضخ على الوصول إلى اتفاقية طويلة الأمد لتحقيق الاستقرار في غزة، وأن تطلق سراح السجناء الفلسطينيين.

ولكن إذا أطلقت سراح سجناءها من خلال الحرب، فإن المعادلة سوف تتغير تماما، ولهذا فهي مستمرة في انتهاك كل القواعد ولو مقابل فضيحة عالمية. وإلا فإن الاحتمال الوحيد هو أنه لن يتم تخلية أجزاء من غزة بسهولة وتتبع نموذج الجولان إذا تمكنت من هذا، أو أنها ستبحث عن فرض سيطرة أمنية على غزة على غرار نموذج الضفة الغربية.

حتى يومنا هذا فأي ارض غزتها إسرائيل، قد احتلت جزءا منها، لكن هذه المرة سببت المعارضة العالمية وستسبب المزيد من الصعوبات والعقبات لإسرائيل. ولذلك، هناك احتمال آخر يتمثل في نشر قوات دولية عازلة بين غزة والقوات الإسرائيلية.

مساعي لإقناع مصر

كما تجري مساعي لإقناع مصر بوعود اقتصادية بـ 10 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي، والتي يجب الحديث عن أهدافها المعلنة والخفية لاحقا، لكن إحدى الأهداف المعلنة هي الحصول على تأييد الحكومة المصرية لضبط الحدود مع غزة، والمهاجرين المحتملين من غزة، وربما يكون من أهدافها غير المعلنة هو فرض المزيد من السيطرة على ما تقوم بها حماس من تحركات.

ومن ناحية أخرى، فإن لكل من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية والأردن علاقاتهم الخاصة مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، إذ يجب أن نرى أين تنتهي في اللحظات المصيرية. ولا ننسى أن جزءا من مصير فلسطين كان دائما في دائرة خدمة الدول العربية وخيانتهم.

في يوم الناس هذا فان الرأي العام في العالم العربي لا يسمح بتبني مواقف متناقضة. لكن فيما يتعلق بحالة إيران، يمكن القول إنها هذه المرة، وبدرجة أكثر دبلوماسية، واصلت دعمها التقليدي والعسكري من خلال قدرات “محور المقاومة” لغزة، وانتهجت سياسة الدعم المسيطر عليه إلى جانب الردع، لتستمر المقاومة، ولا يمتد لهيب الحرب إلى إيران.

فلسطين بلغة فلسطين

لقد ظهرت أقوال وتحليلات كثيرة عن غزة. لكن قلما تم التطرق إلى وجهة نظر الشعب الفلسطيني. الحقيقة هي ان رواية الشعب الفلسطيني حول حادثة السابع من أكتوبر مختلفة عن الرواية التي ترددها وسائل الإعلام العالمية، فان الشعب الفلسطيني لا ينظر إلى حادثة السابع من أكتوبر كونها إرهابية، ويرفض مزاعم الإعلام الإسرائيلي حول ارتكاب المجازر المنظمة بحق المدنيين، والكثير يرى ان إسرائيل هي التي قامت بها، ويؤمن برواية تيارات المقاومة ويرون ان العمليات كانت عمليات ناجحة.

ومن وجهة نظرهم، فإن قصة فلسطين لم تبدأ من 7 أكتوبر وقبل ذلك الحدث، يرون الفلسطينيين الذين احتلت أكثر من ثمانين بالمائة أراضيهم منذ سبعين عاما، والحقيقة أنهم كانوا ضحايا سياسة “محو فلسطين”. ويرون آلاف الشهداء الفلسطينيين والأطفال المقطعين والشباب الغارقين في الدماء، ويرون الحياة الصعبة التي تسيطر عليها الهجمات المتتالية للمحتلين كل يوم. إنهم يرون أن الضفة الغربية لم تحقق شيئا بعد عدة اتفاقيات.

لو أردنا ان نعرف ما السبب الكامن وراء عدم إبداء الشعب الفلسطيني أي احتجاج على حركة حماس حتى في الضفة الغربية، وذلك بعد مرور 44 يوما على قصف غزة ولماذا لا يستسلم أحد، ولماذا يصطف الناس في الضفة الغربية كل يوم وهم عزل بوجه جنود الاحتلال ويستشهدون؟ ولماذا يعتبرون الموت أفضل من هذه الحياة؟ فهل حتى حل الدولتين مقبولة لدى الشعب الفلسطيني؟ هل هم راضون عن تقسيم فلسطين؟

ينبغي النظر إلى فلسطين من منظور الشعب الفلسطيني. الفلسطيني الذي قضى حياته لأجيال وهو يعاني الظلم والذل والمصير المجهول، يريد أن ينال الكرامة والعزة والشرف بأن يكون شعبا، وأن يكون له وطن، ويعيش بحرية.

بيانات الاستطلاع الأخير

أعتقد أنه من أجل فهم أفضل لوجهة نظر الشعب الفلسطيني، قد تقدم لنا بيانات الاستطلاع الأخير الذي أجراه معهد التنمية والبحوث للعالم العربي ومقره رام الله في 14 نوفمبر ونشر في صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية يوم 17 نوفمبر؛ الإجابة ولعل هذا الاستطلاع سيقدم فهما أفضل للواقع، ويوضح لنا مقاومة الشعب الفلسطيني بعد مرور سبعين عاما، وبعد عشرات السنين من الفشل والوعود غير المحققة للجهات الأجنبية. هذا وللحصول على معلومات دقيقة وشاملة، ينبغي الرجوع إلى الدراسات الاستقصائية والأدلة العلمية المختلفة الأخرى.

ويشير هذا الاستطلاع، الذي أجري قبل أربعة أيام فقط وهو في الواقع أحد أحدث الاستطلاعات، إلى أن ما مجموعه 75 في المائة من الفلسطينيين يوافقون على عملية 7 أكتوبر. وهذا الاتفاق متساوي بين الرجال والنساء إذ أيد 75.20% من الرجال و74.90% من النساء عملية 7 أكتوبر.

إن الفصل بين هذه الاستطلاع في الضفة الغربية وقطاع غزة مثير للاهتمام. إذ ان 83 وعشر بالمائة من سكان الضفة الغربية إما يؤيدون أو يؤيدون بشدة عملية 7 أكتوبر. هذا على الرغم من أن ستة وتسعة أعشار فقط منهم لا يوافقون إلى حد ما ويعارضونها بشدة، وثمانية وأربعة أعشار في المائة ليس لديهم رأي. وفي غزة، 63.6% يوافقون تماما على العملية. و14 وأربعة أعشار في المائة لا يؤيدون ولا يعارضون، وتسعة وعشرون أعشار في المائة يعارضون عملية 7 أكتوبر. كما نرى، حتى الضفة الغربية تحت رئاسة محمود عباس من غزة لديها موقف أكثر صرامة.

عملية 7 أكتوبر

وعند إيضاح نظرة الشعب الفلسطيني لسبب عملية 7 أكتوبر، اعتبر 31.7 في المائة من سكان الضفة الغربية و24.9 في المائة في غزة أن سبب العملية هو تحرير فلسطين. 23 و3 أعشار بالمائة في الضفة الغربية و17 و7 أعشار بالمائة في غزة اعتبروا ان السبب الكامن وراء العملية هو فك الحصار عن غزة. و35 في المائة ذكروا أن سبب العملية هو وقف الهجوم على القدس والمسجد الأقصى، و5.1 بالمائة فقط ذكروا أن سبب العملية هو مصالح إيران وأقل من 1% ذكروا أن سبب العملية هو وقف عملية السلام.

والأكثر إثارة للاهتمام هو أن 74 وسبعة أعشار في المائة يعتقدون أنه ينبغي تحرير فلسطين بأكملها. ويعتقد 77% في الضفة الغربية و74% في غزة أنه ينبغي تشكيل حكومة فلسطينية موحدة في جميع أنحاء فلسطين. ومن المثير للاهتمام أن 17 و7 أعشار بالمائة من المشاركين فقط في الاستطلاع يؤمنون بحل الدولتين، أي 13.30 في المائة من الضفة الغربية و22.7 في المائة من غزة. ويؤيد 5 و4 أعشار بالمائة فقط نظام الحكومة الواحدة بنوعين من جوازات السفر الإسرائيلية والفلسطينية.

حرب حماس مع إسرائيل أم حرب فلسطين مع إسرائيل؟

وإذا كان يعد الشعب الفلسطيني هذه الحرب حربا بين حماس وإسرائيل، حينئذ كان يبقى أنصار حماس فقط هم المدافعون عن هذه الحرب. غير ان الحقيقة هي انه من منظار الشعب الفلسطيني فان هذه الحرب هي حرب فلسطين مع إسرائيل وليس مجرد حرب حماس مع إسرائيل. وبحسب الاستطلاع الذي نشرته صحيفة جيروزاليم بوست، فإن 18.6 بالمائة فقط من الناس يعتقدون أن هذه الحرب هي حرب بين حماس وإسرائيل، كما تعتقد أغلبية كبيرة تبلغ 63.6 بالمائة أنها حرب بين فلسطين وإسرائيل، وحتى حوالي 9.4 عشرة بالمائة يعتقدون أنها حرب بين الغرب والعرب.

تطورات ملفتة للانتباه في الرأي العام العالمي

هذا وأن الرأي العام العالمي يعد هذه الحرب حربا فلسطينية ولا يراها مجرد حرب بين حماس وإسرائيل. كما أن نوع الشعارات التي أطلقت في المظاهرات التي شهدتها الدول المختلفة يثبت هذا الأمر بوضوح. وفي بعض الدول الأوروبية كانت هناك محاولة لمنع المشاركة في المسيرات الاحتجاجية الداعمة لحركة حماس، إلا أن الرأي العام لم يرضخ لهذه القضية لأنه اعتبرها نصرة لفلسطين.

ان اتجاه الرأي العام العالمي يمكن دراسته وتقييمه وتحليله من خلال ردة فعل شعوب العالم الآخذة في الانتشار. لقد بلغ الضغط الذي يمارسه الرأي العام العالمي حدا، دفع العديد من الحكومات المؤيدة لإسرائيل إلى اتخاذ مواقف متحيزة ومحافظة، في حين أنها كانت مؤيدة للأعمال الإسرائيلية في الأسبوع الأول من الهجوم على غزة.

ان خروج أكثر من خمسمائة ألف شخص في لندن في المظاهرات دليل على هذا الادعاء. لقد بلغ حجم المآسي التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي حدا دفع خمس دول في العالم إلى تقديم شكوى رسمية إلى محكمة لاهاي بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل.

والآن قلما نرى وسيلة إعلامية أو السياسيين الذين هم على استعداد للدفاع عن العمليات الإسرائيلية دون قيد أو شرط. وحتى نتنياهو يقول: «للأسف لم نتمكن من التفريق بين المدنيين والجنود». هذه الجملة الواحدة كافية للحصول على فهم أفضل للرأي العام في العالم.

وكمثال على التغير الذي طرأ على الرأي العام لشعوب العالم، أشير إلى آخر استطلاع أجرته وكالة رويترز، في الولايات المتحدة يوم الثلاثاء الماضي 14 نوفمبر، ونشرته صحيفة الغارديان الإنجليزية يوم الأربعاء.

وقف إطلاق النار

ووفقا لهذا الاستطلاع، فإن أغلبية كبيرة جدا تبلغ 68% من الشعب الأمريكي تعتقد أن إسرائيل يجب أن تعلن وقف إطلاق النار والدخول في حوار فورا. بينما في الولايات المتحدة، بحسب استطلاع أجرته رويترز يومي 12 و13 أكتوبر (الشهر الماضي)، كان نحو 41 في المائة يؤيدون الدعم الأميركي لإسرائيل، لكن هذا الدعم انخفض إلى 32 في المائة في 14 نوفمبر الماضي. وبينما كان 27% فقط في 12 أكتوبر يؤيدون موقف الولايات المتحدة المحايد، ارتفع هذا العدد الآن إلى 39%.

وفي إنجلترا، وفقا لاستطلاع للرأي نشرته شركة إبسوس في 28 أكتوبر، بعد 21 يوما من حادثة 7 أكتوبر، يعتقد 53% من الناس أن الحكومة يجب إما أن تكون محايدة أو لا تتدخل على الإطلاق، ويعتقد 13% فقط أن الحكومة يمكنها دعم إسرائيل. هذا في حين كانت الحكومة البريطانية واحدة من أكبر الداعمين لإسرائيل.

وعلى المستوى الحزبي، ورغم التوجه القوي نحو إسرائيل في الحزب الحاكم في إنجلترا، إلا أن أصوات البرلمان حول مسألة وقف إطلاق النار كانت ذات دلالات ملفتة وأظهرت الانقسامات.

وعلى الرغم من فشل البرلمان البريطاني في التصويت لصالح وقف إطلاق النار، إلا أن 294 فقط من أصل 650 عضوا في البرلمان أعربوا عن معارضتهم لدعم وقف إطلاق النار في غزة، وجميعهم أعضاء حزب المحافظين باستثناء اثنين وأكثر من 347 عضوا كانوا إما من المؤيدين للهدنة أو رفضوا التصويت.

والمثير للاهتمام أن الحزب الحاكم في اسكتلندا صوت لصالح وقف إطلاق النار بشكل كامل، ولم يكن أي من أعضاء حزب العمل معارضا لوقف إطلاق النار في غزة، أو كانوا مؤيدين لوقف إطلاق النار، أو لم يشاركوا في التصويت لأسباب مختلفة.

الرأي العام الإسرائيلي؛ السقوط الحر للثقة في نتنياهو

هذا وان وضع الرأي العام داخل إسرائيل يحمل رسائله الخاصة، إذ بحسب الاستطلاع الأخير الذي أجرته إحدى الجامعات الإسرائيلية في 14 نوفمبر ونشره موقع “المونيتور”، فإن 4% فقط من المستطلعين يعتبرون نتنياهو مصدرا موثوقا للحصول على معلومات حول الحرب في غزة. وفي استطلاع آخر أجري في 30 أكتوبر، أعرب 20% فقط من المجتمع الإسرائيلي عن ثقتهم في حكومة نتنياهو.

هذه النسبة هي أدنى مستوى من الثقة برئيس الوزراء وحكومته في مسألة مهمة تسمى الحرب. ومنذ الآن بدأت الأقوال عن تغييره بعد انتهاء الحرب من الأحزاب المؤيدة له والمعارضة. والمسيرة الكبيرة التي قامت بها عائلات الأسرى يوم السبت باتجاه رئيس وزراء إسرائيل جعلت الوضع أكثر تعقيدا بالنسبة لنتنياهو. يعرف نتنياهو أنه من دون تغييرات كبيرة في الظروف فإن سقوطه مؤكد، وهذا يثير احتمال وقوع كوارث في غزة.

احتمال شن الهجوم على جنوب غزة وحدوث كارثة جديدة

ملخص الكلام:

حتى يوم الناس هذا، فإن الجيش المدجج بالسلاح وغير الخاضع لأي قانون، والذي لم يتمكن خلال 44 يوما من الحرب مع عدد من الفدائيين الفلسطينيين المحرومين من الحد الأدنى من الإمكانيات، من تحقيق القليل من الإنجازات، هو جيش فاشل أكثر من أي شيء آخر. ويجب أن تضاف أيضا فضيحة مستشفى الشفاء. فمهاجمة غرف المستشفيات بالدبابة وعدم العثور على شيء هي فضيحة أخلاقية وفضيحة استخباراتية في آن واحد! لا ننسى أن إسرائيل تمتلك أنظمة تنصت وتجسس في غزة بقوة القنابل التي أسقطتها.

لنصدق أنه بعد 44 يوما من الحرب، فإن الفشل الاستخباراتي لمستشفى الشفاء، وعدم العثور على مكان الأسرى الإسرائيليين، أكثر فضيحة من هزيمة 7 أكتوبر. وما زلت أعتقد أن حجم العمليات والجرائم المرتكبة في غزة هو أكثر من كونه رمز للقوة العسكرية الإسرائيلية، هو رمز واضح لضعف خوض الحروب، وخوف الجنود الإسرائيليين، إلى جانب طبيعتهم المعادية للإنسان. إضافة إلى ذلك، فإن الواقع المؤسف الحالي هو رمز لضعف النظام والقوانين والقيم الدولية التي يطالب بها الغرب في السيطرة على الأزمات والدفاع عن حقوق الإنسان، وخاصة “غير البيض”.

حتى الآن، وفي ظل النتائج غير المؤكدة لعملية مستشفى الشفاء، فمن المرجح أن تتعرض الأجزاء الأكثر اكتظاظا بالسكان في غزة، فضلا عن جنوب غزة، الذي يضم الآن جزءا من سكان الشمال، للهجوم.

خلق كارثة إنسانية

لا ننسى أن إسرائيل ركزت في حروبها الماضية على خلق كارثة إنسانية وقتل عدد كبير من الأطفال أو المواطنين في مكان واحد من أجل خلق حالة نفسية سيئة وزيادة تكلفة المقاومة من خلال التدمير والمرارة التي لا تنسى. ان الوقت ينفد بسرعة بالنسبة لنتنياهو، ويقال إن مؤيدي إسرائيل الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة وتحت ضغط الرأي العام، أعطوه قدرا محدودا من الوقت (بحسب بعض المصادر، بضعة أسابيع) لتحقيق النتيجة من الحرب.

ليس من المستبعد بان تزيد هذه المهلة الزمنية من نطاق وشدة العنف الذي تمارسه إسرائيل، هناك أقوال تطلق عن وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام وتبادل عدد من الأسرى، لكن حتى في ظل ظروف الاقتراب من التوافق في المفاوضات، وعلى غرار صدام الذي كان يدعي بأنه يجب ان يطلق آخر صاروخ، فقد حدث سابقا بان إسرائيل تنهي ما تقوم به بكارثة أو ارتكاب المجازر الكبرى على غرار ما حدث في قانا، هذا وفي آخر لحظات كتابة هذا المقال، نشرت أنباء حول قصف مدرسة الفاخورة في منطقة جباليا أو إصدار أوامر لإخلاء اللاجئين في مستشفى الشفاء فورا، أو مدينة خان يونس الذي لجأ إليها مئات الآلاف من الناس. في ظل هذه الظروف فان الحكومات والرأي العام العالمي مازالوا مسئولين. فان اتخاذ الشعوب والحكومات أي نوع من الصمت في يومنا هذا يزيد من احتمال حدوث كوارث مستقبلا، وان أي صرخة تزيد فرص وقف إطلاق النار.

تنويه: هذه المقالات كتبت اعتمادا على آخر المعلومات المتوفرة، لكنه نظر إلى سرعة التطورات قد تترك حادثة طارئة تأثيرها على مسار التحليل والتنبؤ بالأحداث.

أبو الفضل فاتح

18 نوفمبر 2023

المصدر: موقع شفقنا

 

 

 

محرر الموقع : 2023 - 11 - 21