السيد السيستاني حصن العراقيين أمام الفتن
    

کلما اقترب العراقیون من النصر على “داعش” والجماعات التكفيرية الاخرى ، كلما تحرك الطابور الخامس داخل العراق بتحريض من جهات اقليمية ودولية لا تريد الخير للعراق والعراقيين ، لوضع العصي في عجلة الانتصار العراقي ، بهدف ابقاء العراقيين في دوامة من الاقتتال والفوضى.

اليوم وبعد ان هُزم “الدواعش” في العراق ولم يتبق منهم الا من بات محاصرا في جيوب صغيرة في الموصل وبعض المناطق الاخرى ، وذلك بهمة وتضحيات العرقيين شيعة وسنة وعربا واكرادا وتركمانا ومسيحيين وصابئة وايزديين الذين انخرطوا في صفوف الجيش وقوات الحشد الشعبي ، حتى حاول الطابور الخامس افساد فرحة العراقيين بالنصر عبر الاساءة الى اللحمة الوطنية العراقية التي كانت سببا في الانتصارات الاخيرة ، من خلال نشر مقطع فيديو تم التعامل معه بطريقة يمكن ان يستشف منه تعرضا بالمكون المسيحي العراقي الاصيل ، وذلك بعد ان اختلطت دماء كل مكونات الشعب العراقي في معركة تحرير العراق من “الدواعش”.

على الفور انتبه المخلصون من العراقيين الى الهدف الخبيث من وراء هذه الاساءة ، فكان لابد من وأدها  في المهد ، فقد نفى ديوان الوقف الشيعي نفيا قاطعا توجيه مثل هذه الاساءة بحق المسيحيين، محذرا من مؤامرة لشق صف العراقيين، مؤكدا إيمانه بالسلم الاهلي والتعايش بين المذاهب الدينية.

وفد رفيع المستوى يمثل ديوان الوقف الشيعي قام بزيارة الى مقر حركة بابليون في بغداد ، واستقبل من الاخوة المسيحيين بحفاوة كبيرة ، وخاطب ممثل المكون المسيحي في مجلس النواب العراقي جوزيف صليوا الوفد بالقول ان اكثر الجهات التي نطمئن لها هي المكون الشيعي .. وان سماحة المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني كان ولا يزال يرعى جميع الطوائف ويوصي دائما بالحب والسلام بين الجميع.

 

في المقابل اكد طاهر الخاقاني رئيس اللجنة العليا لدعم الحشد الشعبي في ديوان الوقف الشيعي، ان زيارة وفد الوقف الشيعي هي رسالة اطمئنان واخوة الى الاخوة المسيحيين واتباع كل الاديان في العالم والذين يعيشون في هذا البلد ، مؤكدا اننا لا ننظر الى الاقليات ولكن ننظر الى التعدد البشري والتعدد الانساني الذي يجمعنا في هذا البلد، حيث تجمعنا الارض الواحدة وتجمعنا الانسانية والوطن الواحد.

الوقف الشيعي كان قد وجه قبل ذلك دعوة الى ممثلي المسيحيين لزيارة ديوان الوقف ، وهي  الزيارة التي تمت بالفعل بحضور رئيس ديوان الوقف الشيعي السيد علاء الموسوي وريان الكلداني وممثل المسيحيين في مجلس النواب جوزيف صليوا ، ودار بين بين الجانبين حديث اخوي وودي.”.

وطمأن الخاقاني العراقيين انه لا داعي للقلق وان الموضوع مسيطر عليه مشيرا الى ان البعض حاول نشر الفتنه كونهم لا يروق لهم ان يرون العراق يعيش السلم والسلام ورايات النصر تلوح بالأفق وحاولوا تعكير المزاج لأبناء هذا البلد ، مؤكدا ان الامور وصلت الى بر الامان ونعيش بمحبة وسلام.

 الأمين العام لحركة بابليون المنضوية ضمن قوات “الحشد الشعبي” ريان الكلداني اكد في مؤتمر صحفي مع وفد الوقف الشيعي ان موقف مرجعية السيد علي السيستاني اعتبار المسيحيين اخوتنا ويجب التعايش معهم هو الذي نزع فتيل الأزمة وأطفأ الفتنة التي حاول ايقاظها أعداء العراق والإنسانية.

انه مع وجود شخصية انسانية كبرى مثل شخصية السيد السيستاني في العراق ، سيكون من المحال على الجهات التي تضمر الشر للعراق العراقيين ، ان تحقق اهدافها المتمثلة بضرب العلاقة الاخوية التي تربط العراقيين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية ، فموقف سماحة السيد السيستاني ، الذي يعتبر اكبر مرجعية دينية في العراق ، من السنة والمسيحيين والصابئة والايزديين والاكراد والتركمان وباقي مكونات الشعب العراقي ، هو اكبر حصانة لهذه المكونات وللشعب العراقي والعراق باكمله امام الفتن القومية والدينية والطائفية.

 

امام كل هذا التأكيد المتكرر والمتواصل لسماحة السيد السيستاني في ضرورة احترام المسيحيين العراقيين الذين يعتبرن من المكونات الاساسية للشعب العراقي منذ القدم ، سوف لن يكون بمقدور اصحاب النوايا الشريرة من تمرير مخططاتهم للنيل من وحدة وانسجام مكونات الشعب العراقي ، ويكفي مرورا سريعا على فتاوى وبيانات مواقف سمحة السيد لسيستاني من المسيحيين العراقيين حتى تتضح لنا هذه الحقيقة.

من بين الكم الهائل من الفتاوى التي يؤكد فيها سماحته على ضرورة احترام المسيحيين العراقيين والتعامل معهم بكل محبة واخاء ، اخترنا بعضا من هذه الفتاوى على سبيل المثال لا الحصر:

-السؤال: هل يجوز تبادل الودِّ والمحبة مع غير المسلم ، إذا كان جاراً أو شريكاً في عمل أو ماشابه؟

الجواب: إذا لم يكن يظهر المعاداة للاسلام والمسلمين بقول أو فعل ، فلا بأس بالقيام بما يقتضيه الودّ والمحبة من البر والإحسان اليه ، قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله يحب المقسطين)

-السؤال: هل يجوز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم كعيد رأس السنة؟.

الجواب: يجوز تهنئة الكتابيين من يهود ومسيحيين وغيرهم ، وكذلك غير الكتابيين من الكفار ، بالمناسبات التي يحتفلون بها أمثال : عيد رأس السنة الميلادية ، وعيد ميلاد السيد المسيح (ع) ، وعيد الفصح.

-السؤال: هل يجوز اتخاذ أصدقاء من غير المسلمين ؟

الجواب: يحق للمسلم أن يتخذ معارف وأصدقاء من غير المسلمين ، يخلص لهم ويخلصون له، ويستعين بهم ويستعينون به على قضاء حوائج هذه الدنيا ، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتُقسطوا اليهم إنَّ الله يحبُّ المقسطين) إن صداقات كهذه إذا استثمرت استثمارا جيداً كفيلة بأن تعرف الصديق غير المسلم ، والجار غير المسلم ، والرفيق ، والشريك ، على قيم وتعاليم الإسلام فتجعله أقرب لهذا الدين القويم مما كان عليه من قبل ، فقد قال رسول الله (ص) لعلي (ع) : “لئن يهدي الله بك عبداً من عباده خير لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها الى مغاربها”.

يمكن تلمس مكانة المسيحيين لدى سماحة السيد السيستاني في احد الييانات الصادرة خلال لقائه وفدا مسيحيا برئاسة البطريك مار لويس روفائيل ساكو الاول رئيس طائفة الكلدان في العراق والعالم كما ضم الوفد معاون البطريك شليمون وردوني ورئيس ديوان اوقاف الديانات المسيحية والآيزيدية والصابئة والمندائيين رعد جليل كجه جي ، حيث خاطب فيها المسيحيين في العراق والعالم بالقول :”أنتم جزء منا ونحن جزء منكم وانتم في قلبنا ونحن متألمون لما يحصل لكم وللسنة والشيعة لان الكل مستهدفون”

   بدوره قال ساكو لقد شكرنا السيد السيستاني على اهتمامه ومبادراته ، فسماحته علامة مضيئة وسط كل الضبابية الموجودة على ارض الوطن ونامل ان يعمل الكل ويستمع إلى صوته والى اعتداله والى حكمته والى إرشاداته.

 في بداية الهجمات الارهابية التكفيرية التي ضربت العراق بعد عام 2003 ، والتي استهدفت مكونات الشعب العراقي ومن بينها المكون المسيحي اصدر سماحته بيانا جاء في جانب منه :” في مسلسل الأعمال الإجرامية التي يشهدها العراق العزيز وتستهدف وحدته واستقراره واستقلاله تعرّض عدد من الكنائس المسيحية في بغداد والموصل إلى اعتداءات آثمة أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا الأبرياء بين قتيل وجريح كما تضرر من جرائها الكثير من الممتلكات العامة والخاصة وإننا إذ نشجب وندين هذه الجرائم الفظيعة ونرى ضرورة تضافر الجهود وتعاون الجميع – حكومة وشعباً – في سبيل وضع حدّ للاعتداء على العراقيين وقطع دابر المعتدين نؤكّد على وجوب احترام حقوق المواطنين المسيحيين وغيرهم من الاقليات الدينية ومنها حقهم في العيش في وطنهم العراق في أمن وسلام نسأل الله العلي القدير ان يجنّب العراقيين جميعاً كل سوء ومكروه وينعم على هذا البلد العزيز بالأمن والاستقرار انه سميع مجيب”.

رغم ان كل بيانات سماحة السيد السيستاني الخاصة بالموقف من الاخوة المسيحيين وباقي اتباع الديانات والطوائف الاخرى في العراق ، مؤثرة الا ان البيان الذي اخترنا منه السطور التالية والذي صدر بعد الاحداث الدامية التي اعقبت التفجير الاجرامي الذي طال مرقد الامامين العسكريين (ع) ، هو من اكثر هذه البيان تأثيرا بالنفس حيث يخاطب سماحته المسلمين قائلا:” وأقول لمن يتعرّضون بالسوء والأذى للمواطنين غير المسلمين من المسيحيين والصابئة وغيرهم أما سمعتم أن أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام بلغه أن إمرأة غير مسلمة تعرض لها بعض من يدعون الإسلام وأرادوا إنتزاع حليّها فقال عليه السلام ( لو أنّ امرءاً مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان به عندي جديراً) فلماذا تسيئون إلى إخوانكم في الإنسانية وشركائكم في الوطن؟”.

ليس هناك من رمزية اشد وضوحا من التهاني التي يوجهها عادة سماحة السيد السيستاني للمسيحيين بالعراق والعالم بمناسبة ميلاد السيد المسيح (ع)، والتي طالما اكد من خلالها على الاحترام المتبادل بين اتباع مختلف الاديان والمناهج الفكرية ، وعلى تجنب الاساءة الى رموز الاخرين الدينية ، وتأكيده المستمر على ان العراق وطن لجميع ابنائه على اختلاف اديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية.

المصدر :شفقنا

محرر الموقع : 2017 - 05 - 23