تراجع ثقة العراقيين بحكومتهم: بعد ثلاثة أسابيع من التظاهرات الأبواب مفتوحة امام سيناريوهات خطيرة
    

مصطفى حبيب

بعد ثلاثة أسابيع على الاحتجاجات الشعبية، يبدو أن ثقة العراقيين في حكومتهم تراجعت كثيرا، وزادت من صعوبة تشكيل الحكومة الجديدة، كما ان الاحتجاجات التي تبدو بلا قيادة هذه المرة قد تتطور الى سيناريوهات خطيرة في المستقبل.

بعد يوم على انتقاد شديد اللهجة وجهه رجل الدين الشيعي على السيستاني ضد السياسيين العراقيين، قرر المتظاهرون السبت الماضي تحويل احتجاجهم الى اعتصامات أمام شركات النفط ومقرات الحكومات المحلية في محافظات الجنوب مطالبين بتوفير الخدمات من الماء والكهرباء وفرص العمل.

وفي اليوم التالي سارعت الأحزاب الشيعية الى استئناف مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة بعد مطالبة السيستاني بالإسراع في تشكيل حكومة جديدة تقوم على التكنوقراط ويقودها رئيس وزراء “قوي وشجاع”، في انتقاد واضح لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي الذي خسر المزيد من شعبيته خلال التظاهرات.

التظاهرات الصيفية مألوفة في العراق خصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة الى نحو (50 درجة سيليزية) وتراجع ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية، ولكن هذه المرة تبدو مختلفة، فهي بلا قيادة حتى الآن، ولها عشرات المطالب، ويجمعها الغضب على جميع النخبة السياسية.

تظاهرات بلا قيادة

للمرة الأولى انطلقت التظاهرات من البصرة وليس بغداد، وانتقلت الاحتجاجات تدريجيا من تلك المدينة التي تغفو على بحر من النفط الى مدن ميسان وذي قار والمثنى والنجف وكربلاء وأخيرا الى بغداد التي كانت احتجاجاتها خجولة.

كما ان التظاهرات هذه المرة هي بدون قيادة، وهي قضية خطيرة، فمن الممكن اختراقها من قبل الفوضويين أو أتباع الأحزاب، وأيضاً من الصعب تشكيل وفد قادر على التفاوض مع الحكومة حول مطالبهم ومتابعة تنفيذ هذه المطالب.

الوفود التي جاءت من الجنوب وانشغل باستقبالها رئيس الوزراء حيدر العبادي على مدى الأسبوع الماضي في مكتبه ببغداد سرعان ما أعلن متظاهرون آخرون بان هؤلاء لا يمثلوهم، وغياب القيادة الموحدة قد تؤدي ايضا الى تلاشي الاحتجاجات خلال أسابيع قليلة.

حتى العام الماضي كان قادة الاحتجاجات هي الحركات المدنية والعلمانية وهي التي خلقت ثقافة الاحتجاج ضد السلطة منذ العام 2010، ولكن بعد مشاركتهم في الانتخابات الأخيرة أصبحوا جزءا من العملية السياسية وشعروا بالإحراج من المشاركة في الاحتجاجات الحالية.

الزعيم الآخر للتظاهرات كان مقتدى الصدر الذي ينظر اليه منذ سنوات باعتباره رمزا لمعارضة الاحزاب الشيعية الحاكمة وايقونة الاحتجاجات، لكن تحالفه مع هذه القوى المدنية والعلمانية وانتصاره في الانتخابات الاخيرة وضعه في خانة السلطة وشعر هو الآخر بالإحراج من المشاركة في التظاهرات، وعندما حاول إرسال وفد من أتباعه الى متظاهري البصرة، رفضوا استقباله، كانت تلك صدمة لم تكن في حسابات الصدر.

ويقول نائب فائز في الانتخابات الأخيرة عن تحالف “سائرون” الذي يتزعمه الصدر، لـ “نقاش” مفضلا عدم الاشارة الى اسمه “في الحقيقة كان لفوزنا في الانتخابات مفعول عكسي، فالمتظاهرون ينظرون لنا باننا أصبحنا أصحاب السلطة في البلاد حتى قبل ان تتشكل الحكومة والبرلمان”.

ويضيف “نحن ندعم المتظاهرين ولو خيرنا بين السلطة ودعم مطالب الجماهير سنختار التظاهر معهم بدل المشاركة في حكومة غير قادرة على توفير الخدمات”.

العلامة الاخرى على اختلاف الاحتجاجات هذه المرة، انتقاد المتظاهرين لجميع الأحزاب وكل شخص مرتبط بالسلطة السياسية والدينية، حتى رجل الدين الأبرز علي السيستاني، إذ رفع محتجون لافتات تنتقده على عدم دعمه التظاهرات بعد الأسبوع الأول من الاحتجاجات، والشيء نفسه مع مقتدى الصدر.

وذهب المحتجون الى ابعد من ذلك عبر احراق مقرات الاحزاب الشيعية في جنوب البلاد بما فيها مقرات الفصائل الشيعية التي كانت حتى اشهر قليلة تحظى بالاحترام والتقدير لجهودها في محاربة تنظيم “داعش”.

مطالب متعددة

بدأت الاحتجاجات بعد تجمع عشرات الشباب العاطلين من العمل من سكان قرية “باهلة” عند ضواحي البصرة أمام احدى شركات النفط القريبة مطالبين بفرص العمل، وامتدت التظاهرات لاحقا إلى مركز المدينة احتجاجا على سوء الخدمات وخصوصا الكهرباء والماء، برغم قرار رئيس الوزراء بإقالة وزير الكهرباء إلا أن المطالب أصبحت اكبر.

وبعد ثلاثة اسابيع من التظاهرات أصبحت المطالب كبيرة وبعضها يحتاج الى سنوات لتنفيذها، المطالبة بتعديل الدستور وتغيير النظام السياسي البرلماني الى نظام رئاسي يتم خلاله انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة عبر الناخبين، إلغاء البرلمان ومجالس المحافظات، وبعض هذه المطالب تعكس ردود افعال غاضبة غير مدروسة تعود الى عدم وجود قيادة موحدة.

وعلى مدى الاسابيع الثلاثة بذلت الحكومة جهودا لامتصاص غضب المتظاهرين عبر وساطات سياسية وعشائرية ورجال دين متنفذين في المدن الغاضبة، وبعد ذهاب العبادي الى البصرة حاصره المحتجون هناك، واختار لاحقا استقبال وفود المتظاهرين في بغداد معلنا عن توفير الآلاف من فرص العمل وبناء مشاريع معطلة، ولكن المتظاهرين شككوا في هذه الوعود، وقرروا الاعتصام داخل الخيّم.

ويقول عبد الرضا الربيعي احد شيوخ البصرة لـ “نقاش” “الحكومة تكذب علينا، قبل أشهر وخلال مناقشة الموازنة المالية أعلنت الحكومة رسميا عدم تخصيص وظائف بسبب الأزمة المالية، والآن تعرض الآلاف من الدرجات الوظيفية رغم انها قالت قبل اشهر انها لا تستطيع ذلك، واذا كانت فعلا لا تستطيع توفير وظائف، ذلك يعني ان الوظائف التي أعلنتها الحكومة مؤخرا غير حقيقية”.

صعوبة تشكيل الحكومة

مع اندلاع الاحتجاجات أوقفت الأحزاب الكبيرة مفاوضات تشكيل الحكومة، واقترح مقتدى الصدر الفائز في المرتبة الاولى بعدد مقاعد البرلمان الجديد (56 مقعداً) تأجيلها والاهتمام بمطالب المتظاهرين، ولكن السيستاني كعادته قلب الطاولة على الجميع.

حتى صباح الجمعة الماضي كان المحتجون غير راضين عن السيستاني لأنه تجاهل الحديث عنهم في الجمعة التي سبقتها، ولكن خطاب السيستاني الأخير كان شديد اللهجة ضد السياسيين، وللمرة الأولى يدعو التظاهرات الى الاستمرار، كما دعا السياسيين إلى مراجعة أخطائهم والا فان التظاهرات قد تتطور الى مستويات خطيرة.

ويقصد السيستاني بذلك التظاهرات السنية في العام 2013 والتي استمرت لأحد عشر شهرا دون ان تستمع الحكومة لمطالبهم بل لجأت الى القوة لتفريقهم، واستغلها المتطرفون لصالحهم.

وبسبب ضغط المحتجين ودعوة السيستاني استأنفت الأحزاب الشيعية مفاوضات تشكيل الحكومة، ولكن الاحداث الاخيرة اربكت السياسيين، فهي المرة الأولى التي يتفاوضون فيها مع جماهير غاضبة تحاصر مقراتهم رافعين لافتات تطالب بالإصلاح، ومطالبة السيستاني الرجل الاكثر احتراما في البلاد باختيار حكومة وقف مبدأ التكنوقراط لا المحاصصة.

وتعيش الأحزاب العراقية في حيرة، فهم يخشون من تشكيل الحكومة وفق الطريق التقليدية عبر المحاصصة بينما توقفت أحزاب من المطالبة بمنصب رئيس الوزراء في العلن لان ذلك يثير غضب الشارع، بينما تتردد الاحزاب في الاستعانة بمعايير جديدة لتشكيل الحكومة بعيدا عن المحاصصة، فهم لم يجربوا ذلك ولو لمرة واحدة بعد العام 2003، ما يعني ان تحدي تشكيل الحكومة أصبح اكبر وربما يستغرق أشهراً.

محرر الموقع : 2018 - 08 - 04