العراق والدولة الحضارية الحديثة
    

محمد عبد الجبار الشبوط
تعقد "الجمعية العراقية للسياسات العامة والتنمية البشرية" مؤتمرها العلمي السنوي الثاني في بغداد في ٢٠ تشرين الاول المقبل.
ويبحث المؤتمر عدة عناوين مهمة منها: الاصلاح الاقتصادي، والاصلاح الاداري، وحماية المنتوج الوطني، واخيرا استثمار الثروة النفطية لازدهار وتطوير العراق في كافة المجالات. 
والذي لفت نظري ان المؤتمر يعقد تحت شعار "العراق والدولة الحضارية الحديثة". وهذه هي المرة الاولى التي تستخدم فيها جهةٌ رصينة مصطلح #الدولة_الحضارية_الحديثة الذي اطلقته قبل فترة عبر سلسلة مقالاتي، وما زلت استخدمه بكثافة. 
حين طرحت المصطلح لاول مرة اعترض بعض الكتاب والمعلقين الاعزاء على المصطلح قائلين انه غير موجود ضمن بحوث العلوم السياسية والقانون الدستوري. وقالوا ان هذه المصطلح غير معرّف في المصادر الاكاديمية والدراسية. فهذه الكتب تتحدث عن اركان الدولة فتذكر الاقليم والشعب والسيادة، و تتحدث عن الدول البسيطة والدول الاتحادية، و عن الدولة الديمقراطية، او الاستبدادية، والدولة الراسمالية والدولة الشيوعية والدولة الاسلامية، لكنهم لم يسمعوا او يقرأوا عن "الدولة الحضارية الحديثة" كمصطلح مترابط ومتكامل. صحيح ان مفرداته الثلاث (الدولة، الحضارة، الحداثة) معروفة وتدرس كل واحدة على حدة، لكن الجمع بينها لتكون عنوانا لتوصيف الدولة فهذا ما لم يذكر في الكتب الاكاديمية.
وهم محقون في ذلك. فالمصطلح جديد وفكرته جديدة. ولهذا كتبت العديد من المقالات في شرح المصطلح.
يعود منشأ انتزاع توصيفات الدول الى نقطة مركزية في فكرة الدولة. فالدولة الراسمالية تستند الى اقتصاد السوق والدولة الاشتراكية الى ملكية الدولة لوسائل الانتاج والدولة الاسلامية الى تطبيق الشريعة الاسلامية. فما هو منشأ انتزاع الصفة الحضارية لدولتنا المنشودة؟
الجواب: المركب الحضاري. فالدولة الحضارية الحديثة تستند الى المركب الحضاري والقيم الحضارية السلوكية والاخلاقية الحافة به، حيث يتكون المركب الحضاري من خمسة عناصر هي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. اما القيم الحضارية فهي مؤشرات حاكمة للدولة والمجتمع والمواطنين في تعاطيهم مع هذه العناصر. وتمثل المعادلة التالية خلاصة هذه الفكرة:
الحضارة=المركب الحضاري+القيم الحضارية.
الدولة الحضارية الحديثة هي الاطار العام لاشتغال هذه المعادلة.
يستهدف طرحي لهذه الفكرة حث الناس على العمل من اجل اقامة دولة حضارية حديثة في العراق. وهذا يتطلب امرين:
الامر الاول، اطلاق المعركة ضد التخلف، باعتبار ان التخلف يمثل خللا حادا في المركب الحضاري، وهذا يشمل التخلف المنهجي، والتخلف السياسي، والتخلف الاقتصادي، والتخلف الاداري، والتخلف الاجتماعي، والتخلف الديني، والتخلف التربوي .. الخ.
الامر الثاني، اطلاق عجلة الاصلاح الحضاري وهذا يشمل الاصلاح السياسي، والاصلاح الاقتصادي، والاصلاح الاداري، والاصلاح الاجتماعي، والاصلاح الديني، والاصلاح التربوي، الخ.

لا حاجة لبيان ان الانسان هو محور المركب الحضاري، لان القيم الحضارية تمثل طريقة تعامل الانسان، فردا ومجتمعا، مع نفسه ومع بقية مفردات المركب الحضاري. ولهذا فان المعركة ضد التخلف والمعركة من اجل النهوض الحضاري وبالتالي قيام الدولة الحضارية الحديثة في العراق تعتمد بالدرجة الاولى على تغيير المحتوى الداخلي للانسان والمجتمع. وجوهر التغيير هو التربية والمران على القيم الحضارية التي تؤدي الى قيام مجتمع حسن التنظيم والتصرف والتعامل مع الانسان والزمن والارض والعلم والعمل. وهذا هو الانسان الحضاري، او #المواطن_الفعال الذي يشكل اللبنة الاساسية في بناء المجتمع والدولة الحضارية.
تتطلب عملية تغيير المحتوى الداخلي للمجتمع اثارة النقاش العام حول المسائل المتعلقة بذلك. ويتم ذلك من خلال المؤتمرات والندوات والورش والاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وهذا جزء من التمرين على الديمقراطية بصيغتها التداولية deliberative democracy وهذا ما تقوم به الجمعية العراقية للسياسات العامة والتنمية البشرية.

محرر الموقع : 2018 - 09 - 26