إذا ثبت الهلال في الشرق ، فهل يثبت عندنا في الغرب ؟
    

اجاب المرجع الديني الاعلى آية الله العظمى السيدعلي السيستاني(دام الله ظله الوارف)، على استفتاء بشأن رؤية الهلال

 

 

السؤال: جاء في كتاب الفقه للمغتربين (المسألة ١١٣) : إذا ثبت الهلال في الشرق ، فهل يثبت عندنا في الغرب وكان الجواب من سماحتكم : (إذا ثبت الهلال في الشرق فهو ثابت للغرب أيضاً مع عدم ابتعاد المكانين في خطوط العرض كثيراً) وهذا الأستثناء (عدم ابتعاد المكانين في خطوط العرض كثيراً ) قد فهم منه عدم التلازم بين ثبوت الهلال في الشرق الأوسط كايران والعراق والخليج وثبوته في بلاد الغرب كبريطانيا وفرنسا لأختلاف خطوط العرض وهذا مما أوجب بلبلة وإرباكاً في ثبوت الهلال لدي أفراد الأسرة الواحدة داخل الجالية الشيعية في هذه البلدان ، حيث إن السيد الخوئي (قدس سره) قد حكي الوفاق بين القائلين بمسلكه في الهلال ومسلك المشهور سواء اشترطنا أم لم نشترط اتحاد الأفق في ثبوت الهلال ـ في تلازم الرؤية وثبوت الهلال بين بلد الرؤية والبلاد التي تقع علي الغرب منه ، في حالة فرض تأخر غروب الشمس في ذلك البلد الغربي عن بلد الرؤية ، وان اختلف خط العرض مادام الخط الفاصل بين النهار والليل وهو خط غروب الشمس يمر علي بلد الرؤية قبل مروره علي البلد الغربي ، حكي ذلك السيد الخوئي في مراسلاته مع بعض تلاميذه في مسألة رؤية الهلال، التي طبعت في رسالة مستقلة تحت عنوان (مسألة رؤية الهلال)، وقد حكي في ضمن تلك الرسالة كلام كل من الشهيدين الأول والثاني والنراقي في المستند ، دعواهم الوفاق من المشهور علي ذلك ، هذا مع ان لازم الأستثناء المذكور في جوابكم هو حصول التعدد في بداية الشهر الهلالي إلي ثلاثة أيام ، كما هو حاصل في عامنا هذا وفق التفصيل الذي ذكرتموه في الجواب بضميمة بيانات علماء الأرصاد الفلكية حيث قرّروا تولد الهلال وامكانية الرؤية المجردة في مناطق المحيط الهادي ليلة الثلاثاء ، وامتناع الرؤية فيما سواها في تلك الليلة ، وأمكان الرؤية ليلة الأربعاء في بلاد العراق وايران والخليج وحوض المتوسط دون شمال أوروبا الذي يزيد في خطوط العرض والذي يمتنع عندهم الرؤية ليلة الأربعاء ، ويمكن لهم الرؤية ليلة الخميس ، فيكون مبدأ الشهر الهلالي في بقاع الأرض ثلاثة ايام ، وبنحو حلزوني الشكل ، وهذا مما يقتضي عدم تطابق وعدم امكان تطبيق اليوم القمري علي اليوم الشمسي فكيف التوفيق بين هذا التسالم المحكي والتفصيل المذكور في جوابكم مع ملاحظة المحاذير المتقدمة؟ ثم إن ها هنا بحثاً صغروياً وتطبيقياً آخر وهو أنه مع ثبوت الهلال في الشرق الأوسط كبلاد ايران والعراق والخلِيج وعدم إمكان الرؤية في بلاد الغرب كبريطانيا وفرنسا بسبب مانع في الأفق كالضباب ، فهل يوجب ذلك التعدد في ثبوت الهلال بحسب الظاهر؟ وهل دعوي الفلكيين بامتناع الرؤية في الغرب وإمكانها في الشرق توجب تعدد الثبوت؟

الجواب: هنا عدة امور :
١ ـ انه وان ذكر جمع من فقهاء الفريقين ان رؤية الهلال في ايّ مكان تستلزم رؤيته في الامكنة الواقعة في غربه (١) ، الا انه لم يثبت كون ذلك مشهوراً حتي بين المتأخرين فضلاً عن التسالم عليه بل يستفاد من كلام شيخنا الشهيد الاول خلاف ذلك حيث ذكر ما نصه ( ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية وان تباعدت للقطع بالرؤية عند عدم المانع) (٢) فيلاحظ انه قدس سره لم يتبنّ الملازمة بين الرؤية في البلاد المشرقية وثبوت الرؤية في البلاد المغربية وانما ذكرها علي سبيل الاحتمال بالرغم من التزامه بالملازمة بحسب الضوابط الفلكية .
وبعض الفقهاء الاخرين الذين التزموا بالملازمة المذكورة انما قالوا بها اعتقاداً منهم بالاولوية القطعية ، قال السيد الحكيم قدس سره ( واذا رئي في البلاد الشرقية فانه تثبت رؤيته في الغربية بطريق اولي ) وعلل ذلك بعضهم بان القمر لا يرجع ولا يتوقف .
ولكن الوجه المذكور لا يقتضي الا ازدياد القسم المنار من القمر كلما اتجه غرباً ، فاذا كان عمره عند غروب الشمس في استراليا ٢١ ساعة و٣٦ دقيقة يكون عمره في طهران ٢٧ ساعة و٥٠ دقيقة وفي النجف ٢٨ ساعة و١٩ دقيقة وفي لندن ٣٠ ساعة و٥٧ دقيقة وهكذا ولكن هذا لا يقتضي كونه قابلاً للرؤية في جميع تلك البلاد اذ لدرجة ارتفاع الهلال عن الافق دخل تام في امكانية الرؤية وعدمها ، فقد يكون الهلال بعمر ٢١ ساعة في ارتفاع ٨ درجات قابلاً للرؤية ولا يكون بعمر ٣٠ ساعة قابلاً لها لكونه في ارتفاع ١ درجة فقط .
ان قيل : ان عدم امكانية الرؤية عند كون الهلال قريباً من الافق وقت الغروب انما هو من جهة المانع الخارجي وهو اجتماع الغبار والبخار ونحوهما حوالي الافق وقد ادعي المحقق النراقي الاجماع علي عدم العبرة بالموانع الخارجية الهوائية والارضية (٣) .
قلت : ان ذلك في الموانع الطارئة المتغيرة كالسحاب والضباب واما الموانع الطبيعية التي لا تنفك عن المناطق القريبة من الافق في مختلف الازمنة والامكنة فليست كذلك لعدم الدليل عليه بل مقتضي كون الاهلة مواقيت للناس ـ كما ورد في الاية الكريمة ـ عدم العبرة بوجود الهلال في الافق الا اذا كان من حيث الحجم ومن حيث الارتفاع عن الافق ومن حيث البعد عن الشمس قابلاً للرؤية بالعين المجردة لولا الغيم ونحوه ، فالهلال الذي يكون بارتفاع ٣ درجات مثلاً حيث انه لا يكون قابلاً للرؤية عادة لا يصلح ان يكون ميقاتاً للناس .
٢ ـ المعلومات الفلكية المتوفرة لديناً لا تشير الي حصول التعدد في بداية الشهر بثلاثة ايام في رمضان الجاري اذ لم يكن الهلال في ليلة الثلاثاء قابلاً للرؤية في ايّ من البقاع لان القسم المنار منه كان دون الحد الادني المطلوب وانما كان يري في ليلة الاربعاء حتي في سيدني ونحوه من البلاد، مع أنه لو فرض حصول التعدد في بداية الشهر بثلاثة أيام فليس في ذلك محذور أصلاً.
٣ ـ قد ظهر مما مرّ انه مع رؤية الهلال في بلاد الشرق ان كان عدم امكان الرؤية في بلاد الغرب من جهة الغيم والضباب ونحوهما يحكم بدخول الشهر فيها ايضاً واما اذا لم يكن الهلال في افقها بالارتفاع الذي يمكن رؤيته عادة فلا يحكم بدخول الشهر فتعدد بداية الشهر الهلالي وهذا التعدد واقعي لا ظاهري .
ودعوي الفلكيين عدم امكان الرؤية لانخفاض درجة الهلال في الافق مما لا عبرة بها الا من حيث عدم حصول الاطمئنان بامكانية الرؤية عادة والله العالم .
--------------------------------
(١) الجواهر ج ١٦ ص ٣٦١ ، التحفة السنية ص ١٦٧ ، المستمسك ج ٨ ص ٤٧٠ ، مستند العروة ج ٢ ص ١١٢ ، مغني المحتاج ج ١ ص ٤٢٢ .
(٢) الدروس ج ١ ٢٨٥ .
(٣) مستند الشيعة ج ١٠ ص ٤٢٣ .

 

محرر الموقع : 2021 - 04 - 10