“داعش و النصرة” تهاجران إلى مصر
    

هل سمعتَ دويّ القنبلة؟

أصبح الانفجار واقعاً يومياً حتى في دول الاستقرار الوطيد مثل مصر. لم تعُدْ رسائل الإرهاب تصل أطراف الدولة فقط. إنها هنا بالقرب منك. و«جبهة النصرة» بل و«داعش»، كما تقول الاشارات والرسائل في طريقها لنقل عملياتها إلى الساحة المصرية… لتصل المواجهة إلى «مركز الاستقرار» وتمنح لهجراتها الجهادية معنى جديداً بوصولها إلى تفخيخ الأمان الشخصي. وتحويل القلق على الحياة «أمراً عادياً». قلق لا يصل إلى حده الأقصى. لكنه يصاحب الحياة اليومية ويظل معلقاً في الشوارع. ينشر الخوف والفزع من التغيير. إن لم تشمّ رائحة الموت فإنك تسمع صوته. ولا مكان بعيداً عن الإرهابي المتجول. القادم من اممية الانتقام من الدولة الحديثة، التي لم تصبح حديثة بعد مرور كل تلك السنوات، وانتظار دولة خلافة لن تأتي.

الإرهاب يتجوّل ويمنح لطلب الاستقرار معنى فكرياً ووجودياً. فكرة التغيير اصبحت ملعونة بالنسبة لقطاعات شعبية لم يغب ملمح وجودها عن مشاهد ثورات الشباب على انظمة الاستبداد.

اهتزت الثقة التي بُنيت في لحظة الثورات. ثقة قدرة المجتمعات على اكتشاف ذواتها وبناء مستقبلها.

ــ 2 ــ

الإرهابي يتجول في الشوارع محمياً بالفجوات الجديدة.. ناشراً الرعب… محققاً أهدافه في استدعاء الدولة القديمة وحدها لتواجهه. انسحبت القوى الجديدة إلى فضاءات الاحتجاج دفاعاً عن شعارات «النقاء الثوري».. لتتسع الدائرة بينها وبين «حليف شعبي» ولد في الميدان وانتظرت من هذه «النخبة الفاهمة» أن تقوده إلى «دولة محترمة»، لكن هذه القوى واجهت حرباً شرسة لم تكن مستعدّة لها، ووقعت في أسْر الكيانات الديناصورية، أسْر بالمعنى الذي يجعل الثورة تختار بين ثنائيات مفخخة.

والتكوين الهش للقوى الجديدة أفقدها التركيز إلى درجة لم تنتبه معها إلى خسارتها القدرة على توسيع الدائرة.

لماذا الدولة وحدها في مواجهة الإرهاب؟

الثقة التي بُنيت في الميادين تتحول شيئاً أقرب إلى «النكوص» عنها بعد وصول الإرهابي إلى قيادة «المشهد السياسي» عن بُعْد… فالمواجهة وطرح الاولويات تدفعان إلى اكتشاف القوى الجديدة، الثورية، الشبابية ماذا حدث في حليفها، ظهيرها الشعبي؟

أين ذهبت الثقة في التغيير؟

هل تواجه هذه القوى عجزها بترداد الأفكار ذاتها، النخبوية، الطليعية القديمة والتي قامت ضدها، أو رغماً عنها من أن «هذا شعب عبيد ينتظر ديكتاتوراً عادلاً..»؟

هل اتسعت المسافات وضاقت القدرات على مد جسور التواصل مع الطلب المتزايد على «الاستقرار»..؟

ام ان فتح الدائرة واتساعها للجماهير… كانت اكبر من ان تحتمل؟

ــ 3 ــ

الأزمة أكبر في تحول الثورة قبيلة مغلقة على نفسها، تركز في مهماتها على منح صكوك النقاء الثوري، من دون أن تسعى إلى اتساع خطابها او تعدّيه حدود القبيلة إلى قوى وشرائح اوسع، ويصبح لديها قدرات على استيعاب ضرورات الطريق إلى وضع بنية تحتية للديموقراطية.

كيف يمكن إدراك أن الهدف ليس الفرز، او منح بطاقات عضوية في نادي الطليعة، او نخبة التغيير…؟

لماذا يترك «الاستقرار» للدولة وحدها؟ تبنّي خطاباته أو الوعي به كما تشاء؟

الإرهابي.. يتجوّل وينشر رسائله التي لا تصيب أهدافها من ضحايا او مبانٍ.. لكنها رسالة رعب بأن «لا أمن إلا برفع راياتنا»… يفخر الإرهابي المتجوّل بقدراته التفجيرية ويتفاخر بأنه وحده الذي يمنح حق الحياة بمعناها الوجودي العميق (متى ستصل القنبلة لتدمر حياتي؟)، أو بمعناها السياسي الذي يعمل ضد مبادئ المساواة وأخلاقها بين سكان هذه الأرض، والتمييز بما يناقض الحياة المدنية، الحديثة، التي قامت أممية الانتقام ضدها أو من أجل تدميرها.

لماذا تبدو الدولة وحدها في الدفاع عن هذه «المدنية» و«الحداثة»… وقوانينهما؟

لماذا تسارع قوى التغيير للانسحاب سريعاً إلى مربعات الاحتجاج (على الدولة) وتعود إلى مفهوم التضامن مع «مظاليم الدولة».. بغض النظر عن خطاباتهم أو من دون تقديم رؤيتها او برنامجها في مواجهة المنتقم؟

القوى مشغولة بالفرز على أساس مواصفات الميثاق الافتراضي، بينما الواقع الراهن يجعلها دافعة إلى فتح الدائرة من جديد.. ومواجهة «نكوص» التغيير ونشر القبول بتعدد الطرق لا بالطرق التي تنطبق عليها مواصفات النقاء الثوري.

وفي المرحلة المقبلة.. فإما أن توسّع الثورة مجالها، وتتفهم طبيعة حليفها الجماهيري، الشعبي… وإما أن تنغلق وتتحول إلى قبيلة منبوذة.

صحيفة السفير اللبنانية

محرر الموقع : 2014 - 04 - 15