العلامة السيد الكشمري ... البعثة النبوية ::هي انتقال من الظلمات الى النـور كما وصفتها السيدة الزهراء (ع) في خطبتها (وكنتم على شفا حفرة من النار)
    

السيد الكشميري يتحدث عن اهداف البعثة النبوية الشريفة ويقول: 
· مضى على البعثة اربعة عشر قرن ونصف وحتى الان لم يستوعب المسلمون اسرارها واهدافها 
· البعثة نعمة الهية كبرى للبشرية تقودهم نحو التكامل والسعادة 
· البعثة من اهدافها تطهير النفس وتزكيتها وتربيتها على الفضائل 
· من المحزن بعد هذه الفترة من تاريخ البعثة نرى المسلمين يعيشون حالة التشرذم والتنازع والتخاصم فيما بينهم

يحتفل العالم الاسلامي بمرور اربعة عشر قرنا ونصف على بعثة النبي محمد (ص) وبهذه المناسبة العطرة نزف ازكى ايات التهاني الى جميع المسلمين سائلين المولى سبحانه وتعالى ان يجعلنا من السائرين على هدي الرسالة المحمدية والمستنيرين بنورها والمقتفين اثرها 

((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)) 

جاء حديثه هذا في مدينة شفيلد البريطانية بمناسبة احتفالها بالمبعث النبوي الشريف وبحضور جمع غفير من المؤمنين ومن مختلف الجاليا فتحدث قائلا: 

ان من اهم الاحداث في تاريخ الرسالة الاسلامية التحول الذي اوجدته البعثة النبوية للبشرية من حالة الى اخرى، اي من الظلمة الى النور ومن الجهل الى العلم ومن عبادة الاوثان الى عبادة الرحمن، وهو عين ما وصفته الزهراء (ع) في خطبتها (وكنتم على شفا حفرة من النار، مِذْقَة الشارب ونهزة الطامع، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام، تشربون الطرق، وتقتاتون القدّ، أذلة خاسئين صاغرين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمدٍ(ص) بعد اللّتيا والتي). وعلينا في هذه المناسبة ان نشكر الله على هذه النعمة الالهية الكبرى اولا، نعمة بعثة الانبياء لبني البشر عموما وثانية بعثة النبي (ص) لنا وللعالمين خصوصا، لان الانسان لا يستغن عن الهدي الالهي في طريقه وسعيه نحو التكامل والسعادة، اذ يحتاج الى هداية الله وتوجيهه سبحانه وتعالى حتى يسير في طريق الكمال ويحقق السعادة لنفسه، ومع ان الله عز وجل منح الانسان نعمة العقل حتى يستطيع عن طريقه تحقيق الكمال والوصول الى السعادة، الا ان عقل الانسان يبقى محدودا ضمن محيط مدركاته وما يمتلك من المعرفة والعلم، فوجود الانبياء وبعثهم ضروري من اجل كمال الانسان وسعادته، ولهذا بعث الله من الرسل مئة واربع وعشرين الف نبي حسب ما تشير اليه بعض الروايات، كل هذا العدد الضخم من الانبياء انما جاء لهداية الانسان واسعاده، وقد شاء الله ان يختم النبوة بمن هو الافضل والاكفأ والاقرب اليه وهو نبينا محمد (ص) لكي تكون رسالته وشريعته خاتمة الرسالات والشرايع، نظرا لاستيعابها لغة الزمن وتقدم البشرية وتقدمها، وهذا ما اثبته الواقع، فمع كل هذا التطور وتقدم الانسان نحن نرى ان رسالة الاسلام ظلت غضة ومواكبة لحضارة الانسان في كل زمان متى ما فُهٍمت على النحو الصحيح. 

اذا فما هي الدروس المستوحاة منها؟ نذكر بعضها على سبيل التمثيل لا الحصر: 

1- التوحيد ((وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ )) الهدف الرسالي الدعوة الى الله الواحد الأحد ولم يات نبي ودعا الى إلهة اخرى والشرك بالله سبحانه وتعالى لذلك التوحيد مهمة رسالية وهدف رسالي. 

2- العبادة واجتناب الطاغوت ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ)) هدف الرسالة العبادة والموقف من الطغاة والظالمين ، هدف يمثل علاقة الانسان مع ربه وهدف يمثل علاقة الانسان مع المجتمع ، الموقف في الواقع الاجتماعي السياسي والاجتماعي ، الوقوف بوجه الظالم والانتصار للحق ((أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)) ومن لا يلتزم بهذه الاهداف الرسالية ليس عقابه في يوم القيامة فحسب وانما سيجد مضاعفاته في الدنيا. 

3- العدالة ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)) وهي مهمة رسالية وهدف رسالي بعث من اجلها الانبياء (ع). 

4- القاء الحجة على العباد ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)) وبتلاوة الايات يتم القاء الحجة وبيان الموقف وتنوير الراي العام ثم العذاب لمن يخالف. 

5- البشارة والانذار ((وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ)) الرسالة فيها بشارة لمن يلتزم وانذار لمن يتمرد ((فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) ((رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)). 

6- بيان الحق وشرح الحقيقة الى الناس ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ)) هذه هي مهمة الرسل والرسالات. 

7- التضرع الى الباري هدف رسالي يشعر الانسان بالذل بين يدي الله تعالى والتضرع له ((وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)). 

8- حل الاختلاف بين الناس ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ)) فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق باذنه والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم، فالحكم في موارد الاختلاف وحل الخلافات مهمة رسالية . 

9- التقوى والتزكية هدف مهم اهداف الرسالة ((يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)) اذا الرسالة تستهدف ايجاد حالة التقوى والالتزام حالة الخشية بين يدي الله تعالى وتحقيق الصلاح والتزكية. 

10- الهداية مهمة رسالية ((أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)) فمهمة الرسول هداية البشرية الى رقيها وصلاحها. 

هذه بعض اهداف الرسالة الواسعة التي استطاعت البعثة النبوية ان تحقق بها انجازا مذهلا وتحويل الامة من الحالة الوثنية الى خير امة اخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، والغريب ان هذه النقلة والمتغيرات في حركة الشعوب والامم تحتاج الى مئات السنين، ولكن مشروع الاصلاح الذي انتهجه الرسول (ص) وبتسديد الهي استطاع ان يخرق تلك المراحل في غضون عقدين وبضع سنوات (23 سنة) وان يحقق ما كان يصبو اليه حتى وصل الى عام الفتح في السنة الاخيرة من حياته ((إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً)) حيث بدأت الناس تدخل افواجا وانكسرت السدود وانفتحت القلوب وتجذرت الثقة مع قطاعات المجتمع الواسع وتحقق النصر المبين والفتح على يد رسول الله (ص) خاتم الانبياء والمرسلين، هذا ومن المحزن والمؤسف وبعد مضي 1449 سنة على هذه البعثة الشريفة التي انارت العالم بهديها واخرجت البشرية من الظلمات الى النور، نرى شريحة كبيرة من المسلمين يعيشون حالة البعد عن روح الرسالة وجوهرها بدل ان تعيش الوحدة والالفة والاخوة تعيش الفرقة والاختلاف فيما بينها، وبدل ان تعيش القوة في التمسك بمبادئها وقيمها اصبحت تعيش الضعف والوهن في السجود والركوع على ابواب الاعداء تستجدي منهم العون والدعم، وبدل ان تسود فيما بينها الرحمة والعزة اصبحت تعيش الشدة والغلظة على بعضها البعض، عكس ما كان عليه رسول الله (ص) واصحابه ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)). 

نسأل الباري جلّت قدرته ان يمطر علينا شآبيب رحمته ويوحد كلمتنا على الهدى والتقوى انه ولي التوفيق.

محرر الموقع : 2015 - 05 - 18