القمع والثقافة "التسكيتيّة" تنشئان أفراداً يخشون الحوار
    

"تربّيت في منزل كلّه رعب". بهذه الكلمات، علّل الثلاثيني علي منتصر خوفه من إبداء رأيه في أيّ حديث يدار أمامه.

يقول منتصر: "فرض علينا والدي الخوف منه، والصّمت في حضوره، والردّ بمفردة نعم أو لا فقط، وإن حاول أحدنا أن يفتح فمه بكلمة مناقشة، يواجه بعاصفة من الصدّ وأمر بإغلاق الصّوت".

ويضيف :"يلازمني هذا الخوف حتى اليوم، ولا أستطيع مواجهة الآخرين، أو الحديث مع الغرباء أو من لا أعرفهم، ورغم قدرتي التعبيريّة، إلا أنّني أعجز عن رفع صوتي أو فتح باب أيّ حوار حضاريّ".

ويفسّر منتصر السبب بأنّه لم يعتد التّحاور منذ الصّغر، وسيطرت على شخصيّته ثقافة "الأمر والتّسكيت"، وفق تعبيره، رغم أنها ثقافة تتعدّى على حقوق الآخر، بل أبسط حقوقه، وهي تمتّعه بالحديث والتعبير عن نفسه.

يعتقد العديد من النَّاس أنَّ أسلوب التحفّظ في الرّأي (الصَّمت) في جميع مجالات الحياة، أفضل وسيلة للتَّعامل مع من يتحاورون معهم، ومن المؤكَّد أنَّ وراء هذا السلوك (الخوف) أسباباً أو مواقف عدّة يعلمها أصحابه أو يجهلونها.

وكذلك حال الطالبة الجامعيّة فدوى جابر، الّتي تشرح بأنها لا تستطيع التعبير عن رأيها دائماً، وتقول: "لا يختلف الوضع في المدارس عنه في المنازل"، متابعةً: "المعلمة تصنّف الطالبة التي لا تتكلّم ولا ترفع صوتها بالمهذَّبة والمجتهدة، والفضلى هي الّتي تضع الإصبع على الفم من باب الصّمت السّليم والصّحيح".

وتتابع جابر :"نشأنا على الكلمات الّتي تسكتنا دائماً، وتجاهل المربّون تعليمنا القدرة على الحوار والمحادثة وقت الحاجة"، متمنّيةً أن يستبدلوا الثقافة "التسكيتيّة التي يتعاقبون على فرضها منذ الصّغر، بمراقبة الأبناء والبنات الصّغار كيف يتحاورون، أو يديرون أحاديث داخل الأسرة أو المدرسة أو الشّارع، بالطريقة المثلى التي تكسر حاجز الخوف من التّعبير عن الرّأي".

وفي هذا السّياق، يلفت الاختصاصي النفسي د. محمد الحباشنة، إلى أنّ المجتمع الأردني هو "مجتمع أبويّ"، والتّعبير عن الذّات "منخفض جدّاً"، بحكم التنشئة في مؤسّسات تثبط وتحبط التّعبير عن النفس برأي مخالف لهم، وعليه، ينشأ الشّخص ولديه خوف من عوامل السّلطة في المنزل، المدرسة، العمل وغيرها.

ويضيف: هناك عامل آخر، وهو أنّ أشخاصاً لديهم قدرات ضعيفة في مهارات (المواجهة)، والقناعة بأنّ التّعبير عن رأيك حقّ دون الإساءة إلى الآخر، وأيضاً هناك من يخشى قبول ردود الآخرين، ما يجعله لا يدلي برأيه...

أما الموظف أبو زيد، فوجد ضالته في مواجهة الآخرين والتّعبير عن رأيه عبر وسائل التّواصل الاجتماعي، قائلاً: "لا أتّفق غالباً مع آراء الآخرين خلال حوارهم عن قضيّة ما أو موضوع ما يطرح، ومع هذا، لا أعلم لماذا لا أتمكّن من المشاركة بهذه الحوارات معهم".

ويتابع أبو زيد: "أشعر بضغط نفسيّ كبير لاحتباس مشاركتي هذه، وعليه، استخدمت فيسبوك وسيلةً للتنفيس والتّعبير عن آرائي المتعدّدة، باسم مستعار غير حقيقيّ استضفت به غالبيّة الزّملاء في العمل".

كما اعتادت الخمسينيَّة أمّ فهد الخضوع لآراء زوجها منذ اليوم الأوَّل لزواجهما حتى يومنا هذا، وفقاً لنصيحة والدتها، ومفادها "أنّ ربَّة المنزل النّاجحة هي من تطيع زوجها بكلّ شيء". تقول أمّ فهد: "لا أذكر يوماً أنّني تناقشت مع زوجي بأمر ما، حتى إنّ أبناءنا الخمسة لا يستطيعون مناقشته بأمور تتعلّق بدراستهم أو رغباتهم في الحياة، وللأسف، أرى شخصياتهم ضعيفةً مقارنةً بأصدقائهم وأقاربنا" .تعترف أمّ فهد أنها عاشت حياة أسريّة تسودها السكينة، لكنّه أصابها بضغط نفسيّ كبير انعكس في الآونة الأخيرة على صحتها، والأدهى، خوفها الدائم على أبنائها بعدم قدرتهم على مواجهة الحياة بأيّ أمر سيواجهونه، سواء الذّكور أو الإناث.

من جهتها، تقول الاختصاصيّة الأسريّة سناء أبو ليل :"كي نصل إلى مجتمع قادر على إبداء رأيه دون خوف، يجب أن نبدأ بإعطاء الفرصة للطّفل للتّعبير عن نفسه وعن آرائه، وتعزيز ثقته بنفسه، المهمّ أن يشعر الطّفل بأن لرأيه أهميّة، وبأنّه ليس مهمّشاً ولا نكرة، وإنما له وجوده وكيانه، ولرأيه أهميّة مهما كان بسيطاً".

وتنوّه أبو ليل إلى أمر مهمّ تلمسه عند بعض أولياء الأمور، بأنّهم يعتبرون إبداء رأي طفلهم "أمراً سيّئاً"، وأنّ الطفل المؤدّب هو المنقاد لآراء أهله في كلّ شيء، ما يجعله يخاف من أبيه ومن أستاذه ومن ثم صاحب عمله،  ومن أيّ سلطة أعلى منه، وبالتّالي، سيصبح فرداً غير قادر على إبداء رأيه. وتشدّد أبو ليل على ضرورة تعليم الطّفل كيفيّة التّحاور، وكيف يستمع إلى آراء الأطفال الآخرين، والّتي تكون معاكسةً لرأيه، وكيف يحترمها ويناقشها، من هنا يبدأ الإحساس بأهميّة رأيه ورأي من حوله.

وتنوّه إلى أنّ الأهالي والمربين لو اتّبعوا هذا الأسلوب، نستطيع أن نبني جيلاً لديه الثقة بنفسه، والقدرة على إبداء رأيه وقبول الآخر، وهذا يحتاج إلى زمن وجهد متكاتف بين مختلف الجهات القائمة على التربية والتعليم.

محرر الموقع : 2014 - 12 - 17