في معرضه الأخير ببرلين..الفنان منصور البكري يؤرشف الألم العراقي
    ألمانيا ــ فاتن الجابري : الفنان التشكيلي والسينمائي منصور البكري، في معرضه الاخير في برلين، قدم لنا رؤيته للعالم كما يراه بإحساسه كفنان زاوج بين بشاعة الواقع وجمالية الفن والالوان وايحاءاتها الضمنية التي تشي سلفا بعمق المعاني التي تتضمنها، لوحات لوجوه مشتتة وساكنة، وجوه تروي حكايات العذاب والظلم والقسوة وتؤرشف تأريخا يدركه المتلقي ويتواءم معه لانه فضاء حقيقي. يأخذنا الفنان عبر الوجوه الى مأساة العراقيين في ظل الحكم الديكتاتوري، قسوة الحروب وبشاعتها، وحشية التعذيب في الزنزانات، فمشاهد القتل والموت تتجلى بوضوح في صرخات الوجوه. طفل موهوب بين عمالقة الرسم عن عمله في مجلة (مجلتي) يقول الفنان منصور البكري: "كان رسامو مجلة (مجلتي) أغلبهم يعملون في صحف ومجلات اخرى صباحا ويأتون مساء للعمل في مجلتي وقسم منهم كانوا طلابا في اكاديمية الفنون الجميلة او معهد الفنون وأغلبهم يكبرونني بعشر سنوات (وهذا يعني عمر وخبرة) وعندما بدأ الدوام المسائي كان اول من دخل للقاعة بسام فرج بعدها دخل فيصل لعيبي ثم صلاح جياد ومؤيد نعمة ووليد شيت وميسر القاضلي، كنت أعرف أشكالهم من الرسوم الكاريكاتورية لوجوههم... ارتعبت وقتها لانني اعتبر هؤلاء أساتذتي وعباقرة نتعلم منهم فن الرسم، وتساءلت كيف لي أن أتحدث مع عمالقة الفن بالعراق ومن أنا بينهم؟، ولكن سرعان ما طار هذا الخوف والاحراج بعدما قدمني الفنان طالب مكي لهم بكل تواضع وفخر وشاهدوا أعمالي والغريب انهم لم يعاملوني كطفل أو مراهق يزور مجلتي بل أخذوني بكل جدية واحترام وبدأت أرسم معهم وكان طالب وفيصل بالتحديد يقفون جانبي بين الحين والآخر ليعطوني ملاحظاتهم وتوجيهاتهم القيّمة وعلاقتي بهما الى يومنا هذا قوية جدا, كنت رساما من الرعيل الأول ل (مجلتي) أعمل مع خيرة رسامي الكومكس ورسوم الاطفال آنذاك وهم بحق خيرة رسامي العراق وهم الاسماء التي ذكرتها اعلاه وكذلك من بينهم عبد الرحيم ياسر وضياء الحجار وبلاسم محمد والمعماري قيس يعقوب وأديب نبيل أحمد ثم التحق بنا رسامون بروح فنية عالية". وأضاف البكري: " كان لي دوامان، دوام صباحي في المدرسة في الصف الرابع الاعدادي ودوام مسائي في مجلة مجلتي في اليوم نفسه. بعدها انهيت الاعدادية بتفّوق ثم التحقت باكاديمية الفنون الجميلة وانهيتها في عام 1978 فرع الرسم (وانا مستمر بدوامي المسائي بدار ثقافة الأطفال) وبإشراف خيرة فناني العراق ومن بينهم فائق حسن ومحمد غني حكمت وخالد الجادر وكاظم حيدر وشمس الدين فارس (الذي أعدمه نظام البعث غدرا) وغازي السعودي وغالب ناهي وآخرون, ولم أتخلّف بأية سنة دراسية طيلة مراحلي الدراسية". نجاح فني وعن رحلة اغترابه يتحدث منصور البكري قائلا: "عندما غادرت الوطن فإنني غادرت نظاما شموليا يعمل الفنان فيه براتب شهري في القطاع العام تماما كما في الدول الاشتراكية السابقة ولهذا الجانب ايجابيات ايضا، لأن الفنان يكون مطمئنا على رزقه حيث للرسام مهنة يعترف بها المجتمع ويعمل على اساسها كموظف. نعم كان لدينا الخبز، ولكن مقابل الحرية المسلوبة. والسفر كان حلمي الخاص منذ البداية من اجل أن أتطور وارى الإبداع بلا قيود. وحين سافرت وجئت إلى ألمانيا وجدت انه لا توجد وظيفة اسمها الرسام وكان علي الدخول في معترك صراع لأثبت وجودي في ساحة تعج بالتخمة الفنية والاكتفاء، فمن المعروف أن الفنانين الألمان هم اصحاب التجربة التجريدية وقد وصلوا الى مرحلة من الضياع الفني ودفعت البطالة عن العمل الكثير من الهواة ليعلنوا انفسهم رسامي تجريد وهكذا تركت هذه التجربة أثرها على عملي مباشرة. هنا أصبحت اللوحة شيئاً ثانوياً فهناك وفرة في كل شيء ولا يجد الفنان مكانه إلا اذا كان خارقا للعادة، باختصار حياة الفنان في اوروبا حياة صراع دائم. ورغم كل شيء، استطيع اليوم بعد مشواري الطويل في الغربة أن اقول اني استطعت تقديم شيء فقد نجحت في اقامة معرض شخصي وساهمت في تأسيس مركز ثقافي باسم شهرزاد يعنى بالنشاط الثقافي المتعدد الجنسيات في برلين وأصبحت مديرا فنيا له. كما أقوم بين الحين والآخر بتقديم محاضرات عن الفن العراقي القديم في الجامعات والمعاهد الألمانية". وأضاف البكري أن "المحطة المهمة التي أغنت تجربتي الفنية ووسعت مداركي واطلاعي على المدارس الفنية عززت ايماني بضرورة تقديم خلاصة التجربة في بلدي العراق. للفن والرسم على وجه الخصوص طعم آخر، وربما من المفيد أن أشيد بدور الاكاديمية الفنية في الوطن والعلاقة الحميمة التي كانت تربط الأستاذ بتلميذه، أما هنا فالطالب رقم مجهول والاستقلالية الذاتية تقود في أحيان كثيرة إلى الخواء رغم تطور التقنية الفنية وتوفر المصادر الفنية، وتبقى الحرية هي الربح الوحيد والحقيقي هنا". وأوضح البكري قائلا: "وصلت ألمانيا بداية العام 1982 الى برلين وانا مقيم بها الى يومنا هذا, درست مباشرة حال وصولي اليها في جامعتها العليا للفنون قسم التصميم والكرافيك وأنهيت دراستي العليا عام 1989 الماجستير أولا ثم المايستر التي تعادل عندنا شهادة الدكتوراه نظرا لعدد سنوات الدراسة والاختصاص". اتقن الفنان منصور البكري الرسم الأكاديمي بشكله المعاصر اثناء دراسته في اكاديمية برلين وهذا ساعده جدا بتكملة مشواره الفني الذي تجسد الآن بالبورتريت (كاريكاتير- تعبيري) وهو اسلوب خليط بين الاكاديمي والكاريكاتيري والتعبيري وذلك فضلا عن اسلوبه الخاص برسم الطبيعة، وكذلك يصمم ويرسم أغلفة كتب وصفحات داخلية للاطفال والكبار بنوع الرسم الطباعي المعروف بـ (الستريشن) ولكنه أيضا تخصص برسم البورتريت الذي يثير شجونه دوما فطريقة رسم الوجه تشبه عنده رسم الطبيعة، اذ ان تضاريس الطبيعة ووجه الانسان عنده متشابهان فيلاحظ المتلقي السهول والوديان والجبال والاشجار وانحناءات الطبيعة كلها في الوجه الواحد. تواصل مع الوطن يتفرغ منصور البكري الآن للعمل الفني في مرسمه الخاص في برلين بشغف وجدية يوميا وقد اقام 52 معرضا شخصيا داخل وخارج المانيا واشترك بأكثر من 100 معرض جماعي وعمل مشرفا ومديرا فنيا لأكثر من مشروع ومؤسسة المانية ويدير حاليا مشروع سومر الثقافي في برلين وشارك ولايزال في اللجنة الثقافية والهيئة التحضيرية لمهرجانات نادي الرافدين العراقي الثقافي في برلين ومؤسسات أخرى. كما شارك الفنان في مهرجانات دولية مثل مهرجان الطفل الدولي في كردستان/ العراق – أربيل عام 2007 بدعوة من وزارة الثقافة وأقام معرضين شخصيين عن ملحمة كلكامش أولا في مبنى وزارة الثقافة العراقية ثم في المركز الثقافي الفرنسي وكذلك شارك في مؤتمر الطفل الدولي في بغداد عام 2010 أيضا بدعوة من وزارة الثقافة ومن دار ثقافة الأطفال بالتحديد، واقام معرضا شخصيا على قاعة حوار بدعوة من الفنان قاسم سبتي مدير وصاحب القاعة كما شارك في معرض جمعية الفنانين التشكيليين لرسامي الكاريكاتير في السنة نفسها.
محرر الموقع : 
التعليقات لا تعبر بالضرورة عن رأي ادارة الموقع
الاســم :	
البريد الاليكتروني :	
عنوان التعليق :	
التعليق :	

  


صوت الجالية العراقية : جميع حقوق النشر محفوظة 2012 
    
محرر الموقع :