طلبتنا في فرنسا وعبور حاجز اللغة
    باريس – راجحة عبود :العلم هو الغاية النبيلة التي يصبو لها كل إنسان يمتلك وعياً وبصيرة، والتعليم هو الوسيلة التي يسلكها من يرغب لتحقيق ذاته وتحقيق أمانيه وضمان مستقبله المهني والحياتي، بيد أنه يتعين علينا ان نقول أن اساليب وطرق التعليم تختلف من بلد لآخر، وهذا الاختلاف يشكل أهم وأكبر العقبات أمام العراقيين الوافدين إلى البلدان الاوروبية بسبب نظام التعليم وعامل اللغة، وهذا ما يواجهه الطلبة العراقيون وعوائلهم في الايام الاولى لوصولهم الى فرنسا، حيث ان البعض منهم لم ينه الدراسة الابتدائية او المتوسطة أو أنه انهى الدراسة الاعدادية ولم يتمكن من الدخول الى الجامعة وهناك من ترك الدراسة عند مرحلة مهمة مثل البكلوريا. وقد لاحظت أن اغلب الطلاب الذين ينحدرون من اصول مهاجرين لا يكملون تعليمهم وينخرطون في وظائف بسيطة او وظائف الخدمة خصوصا ان التعليم في فرنسا يكون الزاميا لغاية المرحلة المتوسطة، وهذا ما لم يرض العوائل العراقية الحريصة على مستقبل ابنائها وتطمح الى وصولهم الى اعلى المستويات الدراسية، ولكن كيف يمكن تحقيق هذا الطموح وهو الذي يتطلب من الطلبة بذل جهد اكبر لتعلم اللغة بأسرع وقت والقبول بالعودة الى صفوف اقل من مستواهم الذي كانوا عليه كأن يعودوا الى المرحلة الابتدائية لمن اكملها؟، وقد تمكن هؤلاء الطلبة من الصمود وتجاوز جميع العقبات لينتظموا في دراستهم ويتابعوا مسيرتهم العلميه لتحقيق طموحاتهم . عقبة اللغة ياسمين هادي في التاسعة عشر من العمر لم تتمكن من إكمال دراستها الإعدادية في العراق وهي التي كانت تحلم ان تكون محامية ناجحة، حيث كانت في الرابع العام، وبعد ان انتقلت مع عائلتها الى باريس كلاجئة كانت تواجهها عقبة اللغة فكان عليها ان تختار مابين الفشل واختيار اية مهنة تناسب مستواها التعليمي، وهذا ما يفعله اغلب المهاجرين حيث يعملون كبائعين او يرتبون البضائع على الرفوف او يعملون في دور العجزة أو دور الحضانة بعد ان يجتازوا دورة تتراوح مدتها مابين ثلاثة الى ستة اشهر، ولكنها رفضت ذلك كما تقول وتمسكت بحلمها في اكمال تعليمها الجامعي لذلك ثابرت وعانت كثيرا من صعوبة اللغة الفرنسية وبعد ثلاثة اشهر من دراسة اللغة تمكنت من إثبات قدراتها للأساتذة وتم قبولها في الدراسة الاعدادية، حيث تقول عن ذلك: "رغم اني تأخرت سنتين بسبب الانتقال من وضع لآخر إلا ان ذلك لا يهم امام تحقيق احلامي لاختص في مجال هندسة الحاسوب". سألناها: لماذا اخترت هذا الاختصاص فقالت: "كنت احلم ان اكون محامية ولكن بعد ان تغير الوضع وانتقلت للعيش في فرنسا رأيت ان المستقبل الآن هو للتكنولوجيا الحديثة والعلم، فهما الاساس في الحياة الآن ومع دراستهما بإمكاننا ان نبدع ومن السهولة الحصول على فرصة عمل جيدة، واعتقد ان بلدي بحاجة الآن لمثل هذه الاختصاصات". وياسمين كما تقول تنوي العودة الى بلدها العراق بعد تحسن الوضع هناك. اما يوسف الذي انتقل منذ اربع سنوات مع عائلته الى فرنسا فقد كان في المرحلة المتوسطة وكان لا يتجاوز الثالثة عشرة من العمر وقد كان يحلم هو الآخر بإكمال تعليمه، كما ان والديه يحلمون بان يصبح طبيبا ناجحا، لذلك تمكن من تعلم اللغة اثناء دراسته من خلال صف خاص باللغة الفرنسية للطلاب الاجانب، وعندما اكمل الثالث المتوسط طلب الاساتذة تحويله الى احد المعاهد لتعلم مهنة ليبدأ العمل بعدها، وكانت مفاجأة قاسية للأهل وله ايضا فهذا يعني ضياع مستقبل وأحلام يوسف لكن العائلة لم تستسلم كما حدثتني الام، فقد احتجت لدى ادارة المدرسة وطلبت مساعدة الباحثة الاجتماعية وبعد معاناة استمرت لأشهر تمكنت من اقناع الاساتذة بضرورة ان يكمل ابنها تعليمه وهو اليوم في الصف الرابع الاعدادي. موهبة وطموح ولا يختلف الوضع مع دالينا ذات العشر سنوات عن غيرها وهي التي كانت قد اكملت الصف الثالث الابتدائي عندما كانت تعيش مع عائلتها في الاردن وعندما وصلت الى فرنسا تغير وضعها فقد اعيدت الى مرحلة الاول الابتدائي لكونها لا تتحدث الفرنسية. تقول دالينا: "انا اشعر بالاختلاف عن الآخرين لأني اكبر طالبة في الصف وفارق العمر أثر عليّ كثيرا فالمفترض ان اكون الآن اكملت الابتدائية ولكني حتى الآن في المرحلة نفسها وأعاني صعوبة كبيرة في ايجاد اصدقاء والاندماج مع طلاب المرحلة فانا اشعر انهم اصغر من عمري ولا يفقهون شيئا". وتقول والدتها ان دالينا تتميز بموهبة كبيرة وهي الرسم طوال وقت فراغها في المدرسة والبيت، وقد لاقت تشجيع وإعجاب اساتذتها وساهمت بعدة معارض اقامتها المدرسة. وعن أحلامها تقول دالينا: "انا الآن اهتم بالدراسة اكثر كي انهي هذه المرحلة وأتمنى ان اصبح رسامة مشهورة وأقيم معارض عالمية عندما اكبر واحلم ان يكون لي معرض في بغداد". طريقة مغايرة للدراسة اما علياء التي لم تتمكن من اكمال السادس العلمي في العراق فقد اختارت طريقة اخرى لمواصلة دراستها بدل العودة الى صف ادنى من مستواها حيث تقول: "فضلت تعلم اللغة الفرنسية والآن رغم اني اسكن خارج باريس الا اني قمت بالتسجيل في المدرسة العراقية عن طريق الانترنت لأكمل السادس حيث احضر الى باريس في فترة الامتحانات النهائية واحصل على البكلوريا لأتمكن من الدخول الى الجامعة وبهذا اكون قد كسبت الوقت ولم اخسر سنوات دراسية". إصرار على التعلم من جانبه يشير محمد مصطفى الى انه اكمل الدراسة الاعدادية في العراق ويواظب على دروس تعلم اللغة. يقول محمد: "بعد ان حصلت على البكلوريا من العراق اضطررت الى ترك القبول بالجامعة نتيجة الوضع الامنى والآن انا ارغب بتحقيق طموحي ومواصلة دراستي ولكن هذا يحتاج الى جهد كبير في تعلم اللغة خصوصا اننا بعيدون جدا عن اللغة الفرنسية وهي لغة صعبة ولكني اواصل التعلم وبإصرار لكي اتمكن من دخول الجامعة وسوف اختار التربية الرياضية لأنها تتناسب مع هواياتي وترضي طموحي بان اكون مدربا" . اما سماهر الخفاجي فقد اكملت مرحلة البكلوريا في الاردن بعد هجرتها من العراق مع العائلة وعندما هاجرت الى فرنسا كان امامها اختياران اما العمل وهذا يعني مزاولة اعمال لا تتناسب مع وضعها ولا ترضي طموحها او اكمال دراستها الجامعية ولكن هذا يحتاج الى مستوى متقدم من اللغة وبالفعل اختارت اكمال دراستها وتقول عن ذالك: "لقد كنت في سباق مع الزمن وكان لابد ان اتعلم اللغة بمدة قياسية لأتمكن من دخول الجامعة وإلا سأضطر لقبول اي عمل تعرضه علي السلطات وبالفعل تمكنت من تعلم اللغة بثلاثة اشهر، وبمساعدة منظمات رعاية اللاجئين تمكنت من الحصول على قبول في جامعة لاغوشيل وقد اخترت ان ادرس البيولوجي وأنا اعرف ان هذا اختصاص مهم وبإمكاني اكمال دراساتي العليا حيث اطمح في الحصول على الدكتوراه في هذا المجال". 
    
محرر الموقع :