أنتمُ كُثرٌ وهُم قليلون
    

أمين ظافر الغريب

 

الفيلسوف اللُّغوي الإنجليزي John Langshaw  Austin (26  آذار 1911 – 8 شباط 1960م) في كتابه «كيف تعمل بالكلمات أشياء How to Do Things with Words»: أن الشعر يتعارض حتى مع الجديّة وأن هموم السياسة قصيرة المدى ولحظيّة في غالبها مما يجعل القصائد المحملة بها عرضة لحكم الزمن الذي لا يرحم.

 

الشّاعِر التشيلي الشَّهير بابلو نيرودا Pablo Neruda في دحر العِراق لإرهاب داعش، أُنشودةٌ إلى أُمَّهات الشُّهداء:

 

«لَمْ يموتوا، إنَّهم في وسط البارود… واقفونَ، كذُبالاتٍ مُشتَعِلَة، ظلالهم الألَق. قد اتحدَت، في المُنحدرات النُّحاسية كما لو أنَّها سُجُفٌ مِنْ ريحٍ مُصَفحة، كحاجز بلونِ عاصفة، كصدر السَّماء اللّامَرئي. أيَّتها الأُمَّهات؛ أمواتكن مُنتصبون في حقول القمح، شامخون كشمس الظَّهيرة، يطلون على الحقول الوَسيعة، إنهم رنين ناقوس داكن، يدقُّ النَّصر، عبر جسور الفولاذ المُحَطَّمَة، يا أخوات كالغُبار المُتساقط، يا صاحبات القلوب المُتفجّعَة، آمَنَّ بأمواتِكُنَّ، إنَّهم ليسوا جُذوراً فحسب، تحت الأحجار المُلَطَّخة بالدّماء، لَيسوا مُجرَّد عِظام مَطروحة، ترقد في الأرض إلى الأبد، بلْ إنَّما أفواههم، تعضّ على البارود الجّاف، و تقتحم، كبحار حديديَّة، و قبضاتهم المُرتفعة ترفض الموت، لأنَّ حياة خفيَّة تنهض بين الأجساد الكثيرة. أيَّتها الأُمَّهات، إخلَعنَ أثواب الحِداد، و اجمَعنَ دُموعَكُنَّ، و اجعَلْنَ مِنها مَعادِن، هناك سندُقّ ليل نهار، سنبصق ليل نهار، إلى أن تنهار أبواب الحِقد. أنا لا أنسى مُصابَكُنَّ، إنّي أعرف أبنائكُم، وإن أكُن فخوراً بمَماتهم، فإنّي أيضاً، فخوراً بحياتِهم، ضحكاتهم كانت تبرق، في مصانِعهم الصَّمّاء، وخطواتهم في المترو، كُلّ يومٍ، كانت ترنّ بإزائي، مع برتقال الشَّرق، و شبكات الجَّنوب، ومع حِبر المَطابع، وفوق إسمَنت الأبنية، رأيتُ قلوبهم تؤجّ بالنّار والعافية، كما في قلوبكُن. أيَّتها الاُمَّهات، أيضاً في قلبي، كثيرٌ مِنَ الحِداد وكثيرٌ مِنَ المَوت؛ كما لَو أنَّها غاب مُبتلة بالدِّماء التي تقتل إبتساماتها. يتسلَّقُ إلى قلبي ضَبابُ الأرق السّاخِط وعُزلة الأيّام النّاهِشَة. أيَّتُها الأُمَّهات المَطعونات بالأسى والمَوت، اُنظرن إلى قلب اليوم الذي يولَد، واعلَمنَ أنَّ أمواتكُنَّ يبتسمونَ مِنَ الأرض رافعين قبضاتهم فوقَ سَنابل القمح».

 

زعيم حزب العمال Jeremy Corbyn (مِن مواليد 26 أيّار 1949م)، في مِهرجانٍ كبيرٍ استشهد بالبيت الأخير من قصيدة الشّاعِر الإنجليزي الرُّومانتيكي Percy Bysshe Shelley (وُلِدَ في 4 آب 1792 وتُوفي في 8 تُمّوز 1822م)، صاحِب قصيدَة ثورة الإسلام The Revolt of Islam:

 

«أنتمُ كُثرٌ وهُم قليلون».

 

 

محرر الموقع : 2017 - 07 - 16