ــ الشعائر الحسينية حقّ دستوريّ !.
    

ــ بقلم : نجاح بيعي .

أدراك المشرع الدستوري العراقي بعد تغيير النظام عام 2003 م , بأهميّة وخطورة الشعائر الحسينيّة وإقامتها في العراق . فلم يكن أمامه بدّ إلاّ أن يعترف بها ويضمن حريّة ممارستها ورعايتها , ويثبتها بين ثنايا مواد الدستور . منطلقا ًمن أسباب عدّة منها : وجود رمز الشعائر وشعلتها , ضريح الإمام الحسين (ع) في العراق . فضلاً عن وجود مكان وساحة ملحمة الطف الأليمة بكربلاء . كذلك وجود ( ستة ) من أضرحة الأئمّة المعصومين عليهما السلام لدى الشيعة . هذا وأنّ العراق غالبية سكانه من الشيعة .
ولعل السبب المهم الآخر , هو إصرار ( شيعة ) العراق على إحياء وممارسة الشعائر الحسينية , على شكل كفاح مرير , ودؤوب بلا يأس , حتى لو كلف ذلك أنفسهم ومالهم وكل ما يملكون . وهذا ما أثبته التاريخ للقاصي والداني  .
كانت الشعائر الحسينيّة المقدسة , قد انبثقت بصورها المتعددة , حتى توارثتها الأجيال بعد استشهاد الإمام الحسين ( ع ) مباشرة , في اليوم العاشر من المحرّم عام 60 هـ . وإن كان الأمر يتعدّى ذلك التاريخ , إلى حقبة صدر الإسلام وبدايات الرسالة الإلهيّة , حيث جرى التأسيس لهذه الشعائر , على يد  النبيّ الأكرم ( ص وآله ).
فما مِن شعيرة حسينيّة نراها اليوم صَغُرت أم كبُرت , قرُبت من الإمام الحسين (ع) أم بُعدت , إلا ّ ولها جذرٌ قرآني أو نبويّ ( من السيرة النبويّة الشريفة ) أو تاريخي أو مذهبيّ ينطلق منها !. وبمعنى آخر .. أن الشعائر الحسينيّة لم تكن لتأتي من فراغ قط . كما أنّ بيئة نشوئها وحاضنتها هي عراقيّة ( شيعيّة ) بحتة . وربما الحديث عن الشعيرة بمعناها اللغوي والتي تعني : الدلالة أو العلامة . وأن الإمام الحسين ( ع ) من أعظم الشعائر الدالة على الله تعالى , كما ورد عن أمير المؤمنين ( ع ) إذ قال : \" نحن الشعائر والأصحاب والخزنة والأبواب ..\" / ينابيع المودة ــ ج3 ص471 . موكول لوقت آخر !.
من هذا المنطلق نخلص أنه ليس من المعقول , أو من السهولة بمكان , التسليم لفكرة أن هناك تدرج تاريخي لانبثاق الشعائر الحسينيّة أو بعضها . كما ليس من السهل القبول , بأن تدرّج الوعي الجمعي للشيعة , وإدراكهم حجم الفاجعة المأساويّة , التي ارتكبت بحق سبط خاتم الأنبياء والرسل ( ص وآله ) الوحيد على وجه الأرض , كان سببا ً في نشوء بعض الشعائر الحسينيّة !. وكذا الأمر ينطبق على العامل السياسي , وتوالي الحكّام على مقاليد الحكم كالفرس والأتراك وغيرهم , والرهان على إدخال ثقافات وعادات غير إسلاميّة للأمّة ( الشيعة ) أيضا كان سببا ً في نشوء بعض الشعائر الحسينيّة .
نعم العامل السياسي والتاريخي كان سببا ً , في إنحسار الشعائر الحسينيّة تارة وإنفراجها تارة أخرى , حسب تقييد الحريّة ومنحها , من قبل الحكام والأنظمة الحاكمة التي تعاقبت على الحكم . ففي الوقت الذي كانت الشعائر تقتصر على البكاء سرّا أبان الحكم الأموي مثلا ً , ألا أنها نراها قد مورست بصورها المتعدد أبان الحكم البويهي . وهكذا شقّت الشعائر الحسينيّة طريقها بين مدّ وجزر , ولم تعدمها أو تمحقها أساليب القمع والمنع الدمويّة للطواغيت والحكام المستبدين على مرّ التاريخ .
فبعد أن أقرّ الدستور العراقي لعام 2005 م , على أن الدين الإسلامي هو هويّة غالبية الشعب العراقي , كان قد ضمِن الحفاظ على هذه الهويّة ( الإسلاميّة ) كما في المادة رقم ( 2 ) منه ما نصّه : \" يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي .. \" , ولا يتمّ الحفاظ على الهويّة الإسلاميّة , إلاّ بتوفير أشكال الحماية لها , كالحماية الأمنية لمجمل الشعائر الدينية المُقامة , والتي تعكس تلك الهويّة ( الإسلاميّة ) التي عليها غالبية الشعب العراقي .
ولا يتمّ ذلك ولا يكون إلا ّ بضمان الحريّة الكاملة والمكفولة دستوريا ً في ممارسة ذلك الحقّ . وهذا ما ضمنته المادة رقم ( 43 ) أولا ً , والتي نصّت : \" أتباع كل دينٍ أو مذهبٍ أحرارٌ في : ــ أ  :  ممارسة الشعائر الدينية ، بما فيها الشعائر الحسينية ! \".
ولضخامة حدث إحياء وممارسة الشعائر الحسينية , وكذلك أهميّتها وخطورتها , بحيث تشترك بها بالإضافة الى محافظة كربلاء الموقع الجغرافي للفاجعة , جميع محافظات العراق . وكذلك الأعداد الـ ( مليونيّة ) التي تشترك في إحياءها , ألزم المشرّع الدستوري بعدم سنّ قانون , يتعارض مع هذا الحقّ وهذه الحريّة الممنوحة دستوريا ً . فقد ورد في المادة (2) : اولاً ـ ج :  \" لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور ! \" . وبهذا يكون الدستور قد أكد وبصراحة , على احترام  وعدم إصدار قرارات وقوانين تحدّ من تلك الحريات, ومنها ( حرية ممارسة الشعائر الحسينيّة ) . كما ورد في المادة (46) ما نصّه : \" لا يكون تقييد ممارسة أيٍ من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها الا بقانون . أو بناءً عليه على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية \" .
وإذا ما اعتبرنا الشعائر الحسينية , هي ضرب من النشاط الثقافي , لإشتمالها على الأبعاد التربوية والأخلاقية والدينية والتاريخية والوطنية , وتعكس التوجه الثقافي الأصيل لحضارة العراق الإسلامية , فإنّ الحكومة ملزمة دستوريا ً أن ترعى هذا النشاط الثقافي , من خلال وزاراتها ذات العلاقة كافة وجميع مؤسساتها , وتوفّر لهل الحماية اللازمة . فقد ورد في المادة رقم ( 35 ) من الدستور ما نصّه : \" ترعى الدولة النشاطات والمؤسسات الثقافية بما يتناسب مع تاريخ العراق الحضاري والثقافي ، وتحرص على اعتماد توجهات ثقافية عراقية اصيلة \" . وبذلك فقد ألزمت هذه المادة جميع أجهزة الدولة ( الأمنية ) , بتوفير الحماية اللازمة لجميع الأماكن التي تمارس فيها تلك الشعائر وبدون استثناء  .
نعم كفالة الدستور للشعائر الحسينيّة المقدسة يعتبر إنجازاً مهما ً, ألا أنّ وجود الجذبة الإلهيّة للشعائر الحسينيّة , يبقى سرّ حفظها وديمومتها وبقائها . فلا غروا أن نرى درب الشعائر وقد تعبّد , ومُذ أن انطلقت بدماء الشهادة الزكيّة , لمئات ومئات ومئات الآلاف من الأحرار الموالين لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين ( ع ) الذين قطعوا على أنفسهم إلاّ إقامة الشعائر تأسيّاً وحبّا ً وموالاة , وما عهد صدام المقبور والبعث الملعون ببعيد . ولا أعتقد أن هناك عاقل ممكن أن تبرق بذهنه مجرد فكرة ويظن أنها ممكن أن تتوقف أو تزول !.

محرر الموقع : 2017 - 09 - 20