الأجهزة الالكترونية .. مغناطيس لجذب الأطفال
    

وسائل تسلية تنذر بمخاطر مستقبلية 
بغداد / بشير خزعل 
 في أعمار تقل  حتى عن السنتين صار اغلب الاطفال يتابعون بشغف ماموجود بهواتف ابائهم وامهاتهم من العاب وصور واغاني الاطفال على قنوات "اليوتيوب"، بل ان بعض الامهات اصبحن يجدن في الهاتف النقال وسيلة للتخلص من بكاء ولغو ابنائهن ولايجاد بعض الوقت لقضاء اعمالهن المنزلية، لكن ماوراء ولع الاطفال بالاجهزة الالكترونية في مراحل عمرية مبكرة، اثار تساؤلات كثيرة لدى علماء الطب والنفس والاجتماع، بما ستؤول اليه نتائج استخدام الاطفال للهواتف الخلوية والانترنت في هذه السن المبكرة جدا.  انقسام
اختلاف وجهات نظر المختصين حول استخدام الاجهزة الالكترونية للاطفال دون عمر الخمس سنوات، اثار جدلا غير محسوم عن الظاهرة كحالة طبيعية او خطرة  يمكن ان تسبب امراضا وعاهات صحية وذهنية مستقبلية، فيما ذهب قسم آخر من المختصين في رأيه، بان استخدام الاطفال للاجهزة الالكترونية والتعامل مع تطبيقاتها يمكن ان يتيحا مجالا واسعا لازدياد نسبة الذكاء لديهم وبصورة متنامية وتنمية مواهبهم التي يغفل عنها ذووهم. 


   صراع
 النغمات والصور، ومقاطع فيديو الكارتون واغاني الاطفال، هي الاشد جذبا  للصغار وحتى الرضع في عمر السنة، وبرغم انهم لايفهمون مايصدر عنها من كلام ، لكن الايماءات والاصوات والحركات تثير فضولهم واستمرار تقصيهم عن ماموجود بداخل (الهاتف الذكي)، احد الاباء وصف  لهو ابنه ذي الثلاث سنوات بهاتفه النقال، بانه يوفر له اوقاتا هادئة في المنزل بعيدا عن الضجيج والصراخ الذي كان يملأ البيت قبل ان يلتفت الى فكرة الهاء ابنه بمقاطع الالعاب واغاني الاطفال، اذ يقول عصام فرحان صاحب اسواق في منطقة الكسرة ببغداد: انه تخلص من فوضى عبث ابنائه وصراخهم عن طريق الاجهزة الذكية، فابنه الاكبر احمد (9سنوات) لديه جهاز ايباد ينشغل به طوال الوقت، وابنه الصغيرعماد (3 سنوات) يتناوب على استخدام هاتف والدته وهاتفي للعب لاكثر من 3 ساعات في النهار ومثلها في الليل، لكن صراعا بدأ يطفو كمشكلة بيننا وبين اولادنا بسبب الحاحهم على اللعب لاوقات طويلة او ساعات متأخرة من الليل، واصبحت مسألة النوم المبكر منسية بالنسبة لهم، الامر الذي اضطرنا الى استخدام اسلوب الاكراه او التحايل من اجل انهاء فترة اللعب بالاجهزة الالكترونية. 
 معلومات 
ويرى احد العاملين في مجال التعليم، ان الاجهزة الذكية قد فتحت آفاقا واسعة لدى الاطفال وتنمية قدراتهم العقلية، اذ يشير كاظم هاشم مدرس رياضيات في مدرسة العروبة الابتدائية ببغداد، الى الظاهرة كحالة صحية وثقافية تنمي القدرات العلمية والذهنية لدى الاطفال ،فمن خلال التعامل مع الاطفال في الصف الاول والثاني الابتدائي الاحظ ان الطلاب الذين يستخدمون الاجهزة الذكية، اكثر فطنة وذكاء من الآخرين الذين لايجيدون استخدام تلك الاجهزة، حتى ان قسما من التلاميذ اصبحوا يعلمون بعض المعلمات على كيفية التعامل مع تطبيقات الهاتف وتنزيل البرامج من الانترنت، واصبحت لديهم معلومات كثيرة
 ومتنوعة.
سلبيات   
من جانب آخر اختلفت آراء بعض الاباء والامهات واصحاب الشأن عن استخدام الاطفال للاجهزة الالكترونية، فمنهم من شكا من ضررها على ( البصر) وفقرات الرقبة، لاسيما ان الصغار مازالت اجسادهم غضة وفي طور النمو، احدى الامهات  قالت: ان استخدام  "البلي ستيشن" ومن ثم الحاسوب والايفون تسبب في ضعف بصر ابنها بشكل متزايد في اقل من ثلاث سنوات، فهو يستخدم تلك الاجهزة منذ نعومة اظفاره، ومازال مستمرا على استخدامها، فقد اصبح مولعا بها ويستخدمها لاكثر من 8- 10 ساعات يوميا ! وحتى بعد تجاوز عمره الاثني عشر عاما، اصبح لايحب الاختلاط  مع زملائه واصدقائه في الشارع ويفضل ان يظل منعزلا في غرفته مع الحاسوب لساعات وهو يبحث في مواقع الالعاب ويتحدث مع اصدقاء له في دول اخرى او يلعب معهم عبر 
الانترنت.  


تحجيم العقول
ويرى الباحث علاء عبد الستار المختص بعلم الاجتماع ، ان الافراط باستخدام تقنيات الاجهزة الالكترونية والمداومة على استخدامها كالعاب تسلية للاطفال، لهما مخاطر كبيرة منها، تحجيم عقولهم وعزوفهم عن الدراسة والرغبة بمزاولة الانشطة العلمية والرياضية، وعدم الاستفادة من الوقت الذي يهدر بشكل متتال لاشهر وسنوات من دون الاستفادة في اضافة شيء ملموس لحياة الطفل، فقد يجد نفسه لايعرف شيئا سوى تحريك اصابعه على الهاتف او الايباد للعب فقط وليس لشيء آخر، واضاف: اغلب العوائل العراقية تشكو من ولع اطفالها باجهزة التقنيات الحديثة، لكنهم هم انفسهم جزء كبير من المشكلة، لان الطفل يرى الام والاب والاخ في حالة انشداد وانشغال دائم بتلك الاجهزة اثناء وجودهم في البيت.


      ضعف البصر
اغلب أطباء العيون اليوم اجمعوا من خلال البحوث العلمية على  ان التركيز الطويل على شاشات التلفاز والعاب الكومبيوتر يؤذي البصر إذ بين الطبيب فراس الالوسي اخصائي العيون بان الطفل يصاب بضعف البصر نتيجة تعرضه لمجالات الأشعة الكهرومغناطيسية قصيرة التردد المنبعثة من شاشات الاجهزة الالكترونية التي يلعب بها لساعات، بالاضافة الى آلام فقرات الرقبة، وسوء التغذية، فالاطفال المولعون بتقنيات الانترنت لايشاركون الاسرة بمواعيد الطعام، وتكون اغلب وجباتهم شكلية وفي اوقات متأخرة، وفي جميع الاحوال فان الاسرة لوحدها تتحمل تبعات المخاطر الصحية لاطفالها، اذا تركت لهم المجال في اوقات مفتوحة تدوم لساعات طويلة.


شخصية عنيفة
الدكتورعبد الرحيم السراي أستاذ علم النفس بجامعة بغداد اوضح بان جلوس الاطفال أمام التلفاز والكمبيوتر والاجهزة الالكترونية الاخرى لايمكن ان يؤدي الى توحد الاطفال وانعزالهم عن المجتمع، لاسيما اذا كنا نتحدث عن اطفال بعمر سنتين اوثلاث،  او اكبر من هذا العمر، الالعاب هي وسيلة للتسلية وتنمية الخيال، وتبقى مسألة الاختيار لنوع تلك المواقع والالعاب وكيفية التعامل مع شبكة الانترنت من مسؤولية الاهل وتحت مراقبتهم الضرورية، المشكلة في حد ذاتها هي في السيطرة وتنظيم الوقت، ان استطاعت الام او الاب تقنين ساعات اللعب وتحديد اوقاته، فلن يكون التأثير سيئا ومخيفا ، لكن الانفلات وغياب الرقابة هي التي قد تؤدي الى ظهور سلوكيات جديدة بسبب تأثير نوع تلك الالعاب او المشاهد او الاغاني التي يتابعها الطفل من دون انتباه الام او الاب، والطفل بطبيعته السايكولوجية سريع الالتقاط والتعلم، ويمكن ان تطبع في ذهنه سلوكيات قد لاتتغير الا بعد بلوغه الخامسة عشرة اوسن البلوغ ، واضاف : من الممكن ان تكون هنالك  ابعاد مستقبلية لبعض الالعاب التكنولوجية او المشاهد الفديوية التي تؤثر في سلوكيات الاطفال وتبني شخصية عنيفة لدى البعض منهم، فالألعاب الافتراضية تتحول من تسلية ومتعة إلى منافسة تجعل من اللعبة منافسا او خصما يجب التغلب عليه وتتراجع الروح الرياضية وينمو التوتر ويتزايد العنف ويكون السلوك العدواني هو السائد في كل الأحيان والأوقات والمواقف في مفاصل مختلفة من الحياة الاجتماعية، وهذا مانتخوف منه في سلوكيات الاطفال الذين يدمنون استخدام الالعاب في التقنيات الالكترونية 
الحديثة.


 اضطراري
قلة ملاعب الاطفال والحدائق والساحات العامة وانعدامها في مناطق سكنية كثيرة، ادت الى انحسار اوقات الترفيه لدى الاطفال في تلك الاماكن التي تعرض اغلبها اما للتجاوزات او انها اصبحت مكبا للنفايات، الامر الذي اضطر العوائل الى ( احتجاز ) اطفالها في المنازل حفاظا عليهم من خطورة الشارع، رائد عبد الواحد مهندس مدني وباحث في شؤون البيئة، بين:  ان المناطق السكنية في بغداد اغلبها تخلو من الحدائق وساحات لعب الاطفال، ولم يعد لدى الاهالي متنفس لخروج ابنائهم وقضاء بعض الاوقات للتسلية، الامر الذي اضطر العوائل الى ايجاد بدائل للهو الاطفال والتفرغ لاداء بعض الاعمال المنزلية، لاسيما من قبل الامهات اللواتي يتحملن اعباء اضافية مع وجود رضع بعمر السنتين او الثلاث، فوجدن في الهاتف النقال او جهاز الايباد وسيلة مساعدة في تسلية ابنائهن وانشغالهم بهذه الاجهزة لساعات دون كلل او ملل، من دون الالتفات الى مخاطره الذهنية والصحية التي تؤثر بشكل مباشر في تكوين شخصية الاطفال وسلوكياتهم في
 المستقبل.

محرر الموقع : 2017 - 01 - 21